الزِّنا، والخمرَ، وقَتْلَ الصيدِ في الحرم محرَّمات وخَطَايَا، وإذا ارْتَكَبَ فعليه عُقُوبَتها.
وذهب القاضي إلى أَنَّ أَوَّلَ الحديث لِمَّا ورد في حق المسجد، فالبُصَاق أيضًا فيه. وحَمَلَ حديثَ الخطيئة على ما لم يُرِدْ دَفْنَها، فإِنْ أَراد دَفْنَها فليس بخطيئة. والذي يَظْهر عندي أَنَّ التضييقَ فيه أَوْلَى، وما يتوهم فيه التوسيع مِنْ بَعْضِ الألفاظ يُخَالِفُه ما عند مسلم وأبي داود مِنْ قَيد المُبَادَرَة، فليحذر عن الأَوَامِر المُطْلَقَةِ الوارِدَةِ في هذا الباب ولا يَحْمِلها على إطلاقها. وَنَقَلَ أبو داود عن أحمد أَنَّه كان يَبْصُق بإخراج الوجه عن الغُرْفَة إن احتاج إليه في الصلاة.
وحاصل أحاديث البصاق: أَنَّ البُصَاقَ في الصَّلاةِ قَبِلَ القِبْلَةِ مما يَغِيظُ النَّبي عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ويُفْضِي إلى إِعْرَاضِ ربِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَكِنْ ينبغي أنْ يُكَفَّ عن إطلاقِ لَفْظِ المعصية.
وقد اخْتُلِفَ في الشروحِ في مناطِ النَّهي.
فقيل: شُغْل المُنَاجَاة، وقيل: احترامُ جِدَارِ القِبْلَةِ، وقيل: احترامُ المَسْجد، وقيل: احترامُ كاتب الحسنات، وقيل: احترام الصلاة، وغيرها، وكلها مأخوذةٌ من النُّصوص إشارة ودِلالة. فَالأَوْلى عندي أَنْ يُقَال: إنَّ المجموع مَنَاطٌ، وإِنَّ الوصفَ المُؤَثِّر فيه كونُ المُصَلي على أَحَسَنِ هيأةٍ عند مناجاتِهِ رَبَّهُ، فإِنْ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الجمال، والبُزَاقَ فيها يخالُفها. ثمَّ الترتيب في البُصَاقِ كما عند أبي داود:«فلا يَبْزُقَنَّ أَمَامَهُ ولا عن يمينه ولَكِنْ عن يسارِهِ إِنْ كان فَارِغَا أو تَحْتَ قَدَمِه اليسرَى ثم لِيَقُلْ به». وقد عَلِمْتَ أَنَّه فيما أمكن الدفن، وإلا فيبصُق على ثوبه وَيَرُدُّ بعضَهُ ببعضٍ لإعدام الجِرْمِ، وعند الترمذي جانب الخلف أيضًا. فإنْ قلت: إنَّ في جانب اليسار أيضًا ملكًا، قلت: والله قادر على أَنْ يجعلَها على الشيطانِ في هذا الجانب.
٣٤ - باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ الْمَسْجِدِ