للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم الوضوء من الأشياء التي تقدَّمَ حكمُها نزولَ النَّص، لأنَّ آية المائدة آخرها نزولًا، والوضوء كان فرضًا قبلها أيضًا.

٥٧ - باب مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ لَا يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ

٢١٦ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِى قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ»، ثُمَّ قَالَ «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً. فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا». أطرافه ٢١٨، ١٣٦١، ١٣٧٨، ٦٠٥٢، ٦٠٥٥ - تحفة ٦٤٢٤

٢١٦ - قوله: (فسمع صوت إنْسَانَيْن) ... إلخ، وهذا دليلٌ على أنَّ العذابَ محسوسٌ ومسموعٌ لمن كان له أذنان، لا أنه مُتَخَيَّلٌ فقط، نعم هـ في عالم آخر، والناس يريدون أن يسمعوه في هذا العالم، فَيَقَعُون في الخَبْط، ألا أنّ الحواس الخمس في هذا العالم، ثم لا يدري أحدهما ما في عالم الآخر، فلا تدري الشَّامَّة ما السمع والذوق؟ ولا تدري السامعة ما الشمُّ والذوق؟ فهكذا لا يمكن أن يَكْتَنِهَ مَنْ في عالم الأجساد ما في عالم البَرْزَخ، إلاّ أَنْ يُسْمَعِه الله تعالى: {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر: ٢٢] ولم يدّعِ الشرع أَنَّ أحوال البرزخ من أحوال عالم الأجساد، ليُقَال إنَّا لا نسمع الصوت، ولا نرى أحدًا في القبر معذَّبًا إلى غير ذلك، فاعلمه.

قوله: (في كبيرٍ) أي بحَسَب نَفْسِه ووجوده، لا بحَسَب الإِثم. قال النَّووي ما حاصله: إِنَّ عدم الاجتناب من البول ليس بكبيرة في نَفْسِهِ، بل يُفْضِي إلى كبيرة، وهي الصَّلاة في تلك الثياب النجسة المستلزِمَة لبطلان الصَّلاة.

قلت: إنْ أراد به الصغائر لا يُعَذَّب عليها، فهو ليس بصحيحٍ، وإلا فعدم الإتقاء كبيرة في نَفْسِه، بل كان صغيرة تَصِير بالإِصرار كبيرة، فَمَنْ قلَّت مبالاته بأمر البول واعتاد به، فقد ارتكب الكبيرة، صلَّى فيها أم لا، لأنَّه قد مرَّ مني أن التطهُّرَ في عامة الأحوال مطلوبٌ، والتلظُّخ بالنجاسات مكروهٌ، وهذا وإن كان صغيرة، لكنه لمَّا أصرَّ عليه واعتاده، صار كبيرة حتى حقَّت عليه كلمة العذاب، والعياذ بالله.

قوله: (لا يَسْتَتِر) ... إلخ، وفي لفظ: لا يَسْتَنْزِه، وفي لفظٍ آخر: لا يَسْتَبْرِأ. وتوهَّم بعضهم: أن معناه إنه لم يكن يَسْتُر عورته عند البول. وقيل معناه: إنه لم يكن يَحْتَرِز عن رِشَاش البول.

أقول: ومُحَصَّل كلها واحدٌ مع فرق يسيرٍ بينها، فمعنى عدم الاستتار: أنَّه لم يكن يضع سُتْرة بينه وبين البول، ولا يتَّقي من رِشَاشه، فيعود إليه رِشَاشه. والاستنزاه والاستبراء: هو الاستنجاء على طريقٍ مسنونٍ، أعني به الطريق الذي يعمل به النَّاس لقطع التقطير: من التنحنح،

<<  <  ج: ص:  >  >>