للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معناه: لم يكن مانعًا عن التسحير. ثم إن اكتفى بأذانٍ واحدٍ، كان المطلوبُ فيه أن يكونَ بعد الفجر، فإن وَقَعَ قبل الفجر بقليلٍ أَغْمَضَ عنه، ولم يرض به، وهو قوله صلى الله عليه وسلّم «لا يَغُرَّنَّكُمْ أذانُ بلالٍ، فإن في بصره سوءً». ففيه نداءٌ على عدم رضائه مع الإغماض عنه، وإن تقدَّم على وقته المعهود بزمنٍ طويلٍ لم يُغْمِض عنه، ولم يتركه حتى ينادي: «إن العبدَ قد نام». فحَمْلُه عندي: إذا قدَّمه على ما كان من عادته أيضًا، ثم لم يأمره بالإعادة.

فيُسْتَفَاد من الأحاديث: جواز الأذانين للفجر، مع كون الأول قبل الوقت. ويُسْتَفَاد: أن المطلوبَ كونهُ بعده إن اكتفى بالواحد، ولا إعادة إن قدَّم بقليلٍ.

ومحصَّل الكلام بعد هذا التطويل والإسهاب بحيث يَمَلُّ منه النُظَّارُ، وتَكِلُّ منه الأنظارُ: أن الحديث لم يُوَافِقِ الحنفية بتمامه، كما إنه لم يُوَافِقِ الشافعية بتمامه، لأنه ليس فيه: أن أذان الفجر إن تقدَّم على الوقت، وَجَبَ إعادته، كما في فِقْهِنَا، وكذلك ليس فيه: الأذان قبل الفجر مطلقًا، كما كَتَبَه الشافعية، والأصوبُ في الجواب: أنه ثَبَتَ الأمران، إلا أن الأمرَ انتهى إلى: أن لا يؤذِّن للفجر حتى يَسْتَبِيْنَ (١) ولعلَّ بعض القطعات من تلك القصة لم تَصِلْ إلينا، فانْخَرَمَ به المراد.

١٢ - باب الأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ

٦١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَتْنِى حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ. طرفاه ١١٧٣، ١١٨١ - تحفة ١٥٨٠١

٦١٩ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ. طرفه ١١٥٩ - تحفة ١٧٧٨٣

٦٢٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ


(١) قلت وتَدُلُّ عليه رواياتٌ عديدةٌ ذُكِرَت في "الكنز"، لا أدري أنها صحيحةٌ أو سقيمةٌ، إلَّا أني وجدتها في تذكرةٍ للشيخ عندي، فرأيت أن لا أَضِنُّ بها. عن الحسن قال: هل كان الأذانُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا بعدما طَلَعَ الفجرُ، أذَّن بلالُ، فأمره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فَصَعِدَ فنادى: إن العبد نام". (ص) "كنز العمال" عن عُرْوَة، عن امرأة من بني نجَّار، قالت: "كان بيتي أطول بيتٍ حول المسجد، وكان بلالُ يؤذِّنُ عليه الفجر كل غداة، فيأتي بسَحَرٍ، فيجلس على البيت ينتظر الفجر، فإذا رآه تمطَّى ثم يُؤَذِّنُ" (أبو الشيخ في الأذان) "كنز العمال".
عن بلال مُؤَذِّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان لا يؤذِّنُ لصلاة الفجر حتى يَرَى الفجرَ" (ص) "كنز العمال". وفي مسند ثَوْبَان - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أذَّنْتُ مرةً فدخلت على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقلت: قد أذَّنْتُ يا رسول الله، فقال: لا تُؤَذِّنْ حتى تُصْبحَ، ثم جئته أيضًا، فقلتُ: قد أَذَّنْتُ، فقال: لا تؤَذِّنْ حتى تَرَى الفجرَ، ثم جئته الثالثة، فقلتُ: قد أَذَّنْتُ، فقال: لا تؤذِّن حتى تَرَى هكذا، وجمع بين يديه، ثم فرَّقهما". (عب) "كنز العمال" عن سُوَيْد بن غَفَلة قال: "كان بلالٌ لا يثوب إلَّا في الفجر، وكان لا يؤذِّن حتى يَنْشَقَّ الفجرُ" (ش) "كنز".

<<  <  ج: ص:  >  >>