للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١٤ - كتاب الوِتْر

١ - باب مَا جَاءَ فِى الْوِتْرِ

واعلم أن الكلام في أبواب الوِتْر في مواضع: في الفَرْق بينها وبين صلاةِ الليل، وفي صفتها أواجبة هي أم سنة؟ وفي ركعات الوتر، وأنها بتسليمةٍ أو بتسليمتين. فنقول: والذي يتَّضِح من صَنِيْع المحدِّثين كافةً أنهما صلاتانِ متغايرتان عندهم. فإنهم يُبَوِّبُون لكلَ منهما بابًا بابًا، ثم يذكرون صلاةَ الليل في أبواب الوِتربوالعكس، لارتباطٍ بينهما. وهو نَظَرُ الحنفية، فإنهم قالوا: إن الوِتْرِ قِطْعةٌ من صلاةِ الليل صارت صلاةً برأسِعا مستقلةً بقراءتها، وصفتِها، وركعاتها.

وأما الشافعية رحمهم الله تعالى فلا فرق عندهم بينهم، إلا أنَّ أَقلَّ الوِتْر عندهم ركعةٌ، واتفقوا على أَنَّ أكثَرَهَا إحدى عشرة ركعةً، واختلفوا في ثلاثَ عشرةَ، وأما من حيثُ كونُها صلاةَ الليل فتجوز عندهم ألفَ ركعةٍ بسلامٍ واحدةٍ، وسنوضِّحُه في صلاة الليل.

ومِنْ ثَمَّة اختلفوا في صفتها: فَمَنْ لم يفرِّق بينها وبين صلاةِ الليل لم يَسُغ له القولُ بوجوبها. ومَنْ فَرَّقَ بينهما ساغ له أن يفرِّق بين صِفَتَيْهِمعا فيقول بوجوب الوِتْر وسُنِّيةِ صلاةِ الليل أو استحبابها. وقد مرَّ أن في إيقاظ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أَهْلَهُ للوِتْر دون صلاة الليل، والأَمْرَ بأدائها في أوَّل الليل لِمَنْ لا يَثِقُ بالانتباه في آخر الليل، وإيجاب القضاء على مَنْ فاتته، وإفرازها بالقراءة، وتعيين وقتها وركعاتِهَا لآياتٌ دالَّةٌ على الوجوب (١). واتفقوا على عدم جواز تَرْكها أيضًا. فحينئذٍ


(١) قلت: وعندي تذكرةُ للشيخ رحمه الله تعالى عنه تتعلق بوجوب الوتر نمقها في الهندية لحاجة دعت له فأنا أُعَربُها لك قال: إِن نِزاعَهم في وجوب الوتر وسُنِّيته ليس بذاك، لأنه لم يذهب أحدُ منهم إلى جواز تَرْك الوِتْر، بل صرَّح مالك رحمه الله تعالى أن شهادةَ تاركِ الوِتْرِ لا تُقْبل، ونحوه عن الشافعية رحمهم الله تعالى، فلم يبق النزاع إلا في التسمية. ولنا ما صحَّحه ابن السَّكَن: "إن الله تعالى أمدَّكم بصلاة" الخ، والزيادةُ لا تكون إلا مِن جنس المَزيِد عليه، وهو ههنا الفرائض، لأن النوافل غيرُ محصورةٍ فتعين أن يكون المزيدُ عليه الفرائض. ومقتضاه أن يكون الوِتْرُ واجبًا. ولكن لما كان الحديثُ ظنيًا نَزَّلنا من الفَرْضية إلى الوجوب، وقلنا به. والذي تحقق عندي أن الوِتْر مُتَقدِّمٌ على الصلوات الخمس أيضًا، ولعله كان حين لم تكن الفرائضُ إِلَّا الفَجْر والعَصْر، ولذا قُرِن ذِكْرُ بهما في غيرِ واحد من الآيات. نعم صِفَةُ الوِترية وبعضُ التغير حدثَتْ فيه من بَعْد. ولا يلزم منه نَفْي أصْله من قبل، ونظيرُه ما عند مسلم: "إن الصلاةَ كانت مَثْنى مَثنى، ثُم زيدَت عليهما فصارت أربعًا أربعًا غير الفَجر والمَغْرب -بالمعنى- ولا أراك تقولُ إن الصلاةَ لم تكن فريضًة قبل ذلك، بل ثبتت فَرْضِيتُها من قبل، وحدَث فيها بعضُ الأَوصاف، وهكذا صلاةُ الليل لم تُنْسخ بأسْرِها قطعًا، ولا حَرْفَ في المُزَّمِّل يدلُّ على نَسْخِها، نعم فيها التيسيرُ من التَطْويل وهي باقية إلى الآن أيضًا، وأدناها عند إمامنا الوِتْرُ. أعجبني قولهم كيف ذهبوا إلى نَسْخها =

<<  <  ج: ص:  >  >>