بتأخير الظهر إلى العصر، ولم يبوِّب بتقديم صلاةٍ إلى صلاة.
وقد صرَّح المالكيةُ أن الْجَمْعَ في التأخير فِعْليُّ فقط، وفي التقديم وقتي، فثَبت نَفْيُ جمع التقديم وقتًا من كلام البخاري رحمه الله تعالى، ونَفْيُ جمع التأخير وقتًا من تصريحِ المالكية، وهو مذهب الحنفية أن الجَمْعَ عندهم فِعْلٌ فقط، كما عرفت.
وقد مر معنا أن الجَمْع عندي محمولٌ على اشتراك الوقت فإنَّ المِثْل الأول للظهر خاصَّة، والثالث للعصر كذلك، والثاي مشترَكٌ يصلح لهما، إلا أن المطلوبَ هو الفَصْل، ويرتَفِع ذلك في السَّفر والمرض. وقد ذكر الطحاوي رحمه الله تعالى جماعةً من السَّلَف ذهبوا إلى اشتراك الوقت.
قلتُ: ولاأحسبُهم إلا أنهم يكونون قائلين بالفَصْل بين الصلاتين في غير السَّفَر والمرض وإنْ ذهبوا إلى اشتراك الوقت، وهو معنى الموقوف كما مَرَّ. ثم ما هذا التأخير في التزام اشتراك الوقت، ألا ترى أنهم يكتبون وقتًا في صَدْر الباب، ثُمَّ يَقْسِمُونه إلى مستحبٍ وغيره، وقَسَمه الشافعيةُ إلى خمسةٍ، كما مرَّ. فإذا قالوا في صدر الباب: إنَّ وقت العصر إلى غروب الشمس، ثُمَّ صرحوا أن آخِر وقتها مكرُوهٌ تحريمًا، فأيُّ بُعْدٍ في تقسيم المِثْل الثاني بأنه وَقْتُ الظهر والعَصْر معًا، فهو وَقْتُ الظهر ويصِحُّ فيه العَصْرُ أيضًا، فإنَّه أيضًا قِسْم.
وبه يَنْحَلُّ حديثُ حَمنة رضي الله عنها في باب الحيض، وفيه أنه أَمَرَها أن تَجْمَع الصلاتين في غُسْل، فإنَّه ينبني على اشتراك الوقت عندي كما مر، ولا سيما إذا رواه الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى في «مسند» أبي عَروبة الحَرَّانِي - تلميذ الطحاوي: فلا يقالُ: إنه اختار نَقْضَ طهارة المعذور بخروج الوقت، وهو لا يَدْري هذا الحديثَ، بل قالها وهو يعلم أن حَمنة رضي الله عنها قد أُمِرَت أن تَجْمَع بين الصلاتينِ في غُسْل، وإذن وَجَب أن يكونَ اختار اشتراك الوقت، وجوَّز الوَصْلِ للمعذور مع مطلوبيةِ الفَصْل لغيره.
واعلم أنَّ أوَّل مَنْ دَوَّن مذاهبَ الصحابة رضي الله عنهم الطحاوي رحمه الله تعالى فَصَنَّف كتابه «اختلاف العلماء»، ثُمَّ محمد بن نصر، وابن جرير، وابن امُنْذر بعده، ثم أو عمرو خامس خمسة. والناسُ بعدَهم تَبَع لهم في هذا الباب، ولذا يُعتمد على الطحاوي رحمه الله تعالى في هذا الباب ما لا يُعَتَمدُ على غيرهِ.