واعلم أن المصنِّفَ أشار في تلك الترجمة إلى أمرين: الأوَّل إلى إثبات صفة التكوين، القائل بها علماؤنا المَاتُرِيدِيَّة، حتى صرَّح به الحافظُ مع أنه ممكن لا يُرْجَى منه أن يتكلَّمَ بكلمةٍ يكون فيها نفعٌ للحنفية. وأَنْكَرَهَا الأشاعرةُ. فالتفصيلُ: أن الصفات عند الأشاعرة سبع، واللَّهُ تعالى مع صفاته السبع قديمٌ. وقالوا في نحو صفة الإِحياء، والإِماتة، والترزيق أنها عبارةٌ عن تعلُّق القدرة بها. فالإِحياءُ عندهم عبارةٌ عن تعلُّق القدرة والإِرادة مع حياة أحدٍ، وكذلك أمثالها. فاستغنوا عن صفة التكوين، ورَأُوْا أن لهم بمجموع القدرة والإِرادة غُنْيَةً عن التكوين. ثم قالوا: إن تلك الصفات، وإن كانت قديمةً، إلَّا أن تعلُّقَهَا بالمرزوقات ونحوها حادثٌ.
وزاد المَاتُرِيِدَّيَّةُ على هذه السبع، صفةً ثامنةً سَمَّوْهَا بالتكون، وقالوا: إن القدرةَ تكون على الجانبين. أمَّا الإِرادةُ فأيضًا تتعلَّق بالجانبين - وإن كان بدلًا - فتارةً تتعلَّق بوجود الشيء، وأخرى بعدمه، بخلاف التكوين، فإنه يتعلَّق بوجود الشيء فقط، ولا يتعلَّق بالعَدَمِ أصلًا.
(١) قلت: وإنما خصص من بين سائر الممكنات السماوات والأرضين، لكونهما أشد المخلوقات، وأكبرها، وأحفظها من التغيرات، فلما كان حالها ما سمعت، فما بال ما كان محطًا للتحولات، مهادًا للتغيرات أضعف خلق الله؟! كالإنسان، فاعلمه.