جزم أنَّ العَدْوَ ليس بواجبٍ فَعَبَّر بالسَّعْي عن المشي وإنْ كان السَّعْيُ في اللغة بمعنى العَدْو، وإذا كانت صلتُهُ «إلى». وإنما عَبَّر عنه بالسَّعْي على معنى عدمِ الاشتغال بأَمْرٍ سواها. قلت: واختلاف المعاني باختلاف الصِّلات ليس بِمُطَّردٍ عندي، فلا تُبْنى عليها المسائلُ.
قوله:(وقال ابن عباس رضي الله عنه: «ويَحْرُمُ البيعُ حِينَئذٍ) وفي «الهداية» في باب الجمعة: أن الصناعاتِ كلَّها حرامٌ في هذا الوقت. وفي: مكروهات البيع: أنها مكروهةٌ تحريمًا. فلا أدري أهو من اختلاف النظر، أَم نشأ مما نُقِلَ عن محمد رحمه الله أَنَّ كُلَّ مكروهٍ تحريمًا حرامٌ؟ وقال الشيخ ابن الهُمام رحمه الله: إنَّ كلَّ نهي لغيره فهو لكراهةِ التحريم وإن كان قطعيًا. قلت: وهذا لا يمشي في الخُلْع، أما المصنف رحمة الله فاختار الحرمة.
٩٠٧ - قوله:(مَن اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ) قد استقرَّ أئمةُ الحديث على أنه متى ورد لفظ «في سبيل الله» فهو في الجهاد. ولذا ترجم به الترمذي في الجهاد، وحَمَل الصيامَ في سبيل الله على الجهاد. وترجمة البخاري تشيرُ إلى تعميمهِ شيئًا. واختُلِف في تفسيره بين الحنفهية، فقيل: هو مُنْقَطِع الغزاة. وقيل: مُنْقَطِع الحاجِّ. قلت: بل هو أعمُّ منهما نظرًا إلى صَلوح اللغة. نعم، كَثُر استعمالُه فيهما، فساغ أن يكون عامًّا في الحديث (١) أيضًا كما أراده المصنف رحمه الله. وإِن أخذنا رأي الترمذي وغيرِه، فلعل المصنِّفَ أَلْحَقَ الجمعةَ بالجهاد، فتمسك لها بما ورد في الجهاد.
١٩ - باب لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
لأن الجمعة جامعةٌ للجماعات، فلا يُفَرِّقُها بالتَّخَطّي لأَنَّ فيه معنى التأذِّي.
(١) قلتُ: أخرج الترمذي في الجهاد في باب: مَن اغْبَرَّت قدماه في سبيل الله، عن يزيد بن أبي مريم قال: "لَحِقَنِي غبايةُ رِفَاعة بن رافع وأنا ماشٍ إلى الجمعةِ، فقال: أَبشر فإِن خُطاك هذه في سبيل اللهِ، سمعتُ أبا عياش يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مَن اغْبَرت قَدَماه في سبيلِ اللهِ فهما حرامٌ على النارِ". اهـ. ففيه دليل على ما رامه البخاريُّ من التعميم.