الإِسلامِ، فإِنَّهُ لا يُحْكَمُ عليه بالكُفْرِ، والتبسَ ذلك على بَعْضِ مَنْ لا دِرَايةَ لهم في الفقَه، فَغَلِطُوا في مُرَادِهِ. فَزَعَمُوا أَنَّ أحدًا لو أَتَى على أَفْعَالِ الكُفْرِ عدَدَ ما ذَكَرْنَا وأَتَى بفعلِ واحدٍ من الإِسلامِ، فإنَّه لا يَكْفُر، وهو باطلٌ، ليس فيه أَدْنى ريبٍ وريبةٍ، كيفَ وأَنَّ مسلمًا لو أتَى بفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الكُفْر، فإِنَّه يَكْفُر، فكيف إذا كان جُلُّ أَفْعَالِه كُفْرًا.
وإِنَّما كانت مسألةُ الفُقَهاءِ في جنسِ الأَقْوال، فَنَقَلُوهُ في الأفعال، ومُرَادُهم أَنَّ أحدًا منهم لو قال كلمةً احْتَمَلَت وجهًا مِنَ الإِسلامِ، نَحْمِلُها عليه، ولا نَحْمِلُها على أَوْجُه الكُفْرِ وإِنْ كثرت، لأَنَّا ما لم نتبين الحال، ولم نَدْرِ أَنَّه أَرَادَ هذا الاحتمال، لا نَحْكُم عليه بالكفر بتلكَ الكلمة المحتملة، ولا نبادر إلى الإِكْفَارِ، أَمَّا إذا تَبيَّنَ غَيُه من رُشْدِهِ، وانْفَصَل اللَّبَنُ عَنِ الرَّغْوَة، وحَصْحَصَ الحقُّ، وظَهَرَ الباطلُ، ولم يَبْقَ أَمْرُهُ كالأفواه، تَنَقَّلَ مِنْ بلدٍ إلى بلدٍ، بل أَعْلنَ بكُفْرِهِ على المنائِرِ والمنابرِ، وسود به الصحائف والدفاتر، فإِنَّه كافرٌ مُكَفَّر بلا رَيبٍ، ولا يَتَأَخَّرُ عن إِكْفَارِه إلا مُصَابٌ أو مجهولٌ ولو كان معنى كلامِهم ما فهموه، لما سَاغَ حُكْمُ الكُفْرِ على أحدٍ أَبَدَ الدَّهْرِ، ومَنْ يَعْجَزُ عن إُخْرَاجِ احتمالٍ ضعيفٍ. وهذا مسيلمة الكذَّاب، قد كان يَشْهَدُ بنوبةِ سيدِنا ونبيِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلّم إلا أَنَّهُ كان يُحبُ أَنْ يَشْتَرِكَ معه في الأمر، فهل أَنْقَذَهُ ذلك مِنَ الكُفْرِ والضَّلالِ، فليَتَنَبَّه العلماءُ لهذه الدَّقِيقةِ، ولا يَتَأَخرُوا في مثلِ هذه المحال، ولْيَخْشَ العزيز الجبار، فإِنَّه شديدُ المَحال.