للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خيارات، أما الفِداء بالأُسارى والمَنّ، فليس له ذلك، فحملوا الآية على النَّسْخ (١)، كما في «الدر المختار». قلت: كيف وقد روى محمدٌ جوازَهما على رَأي الإِمام. فَهُما مشروعانِ بعد، إلا أنهما موقوفانِ، على رأي الإِمام، فإِنْ رأى فيهما مصلحةً فَعَل، وإلا لا، اللهم إلا أن يُقال: إنَّ إطلاقَ النَّسْخ فيه عُرْفُ المتقدِمين. وقد مرَّ معنى النَّسْخ عندهم. والنَّسْخ عند الصحاوي أَوْسعُ مما عندهم، كما عَلِمت مرارًا، فإِنَّه يطلق على كلِّ أَمْر، قَلَّ فيه العملُ أيضًا، وإن بقي مشروعًا، فمعنى قوله في بعض المواضع: إنَّ هذا نَسَخَةُ هذا، أي اشتهر به العمل، وخفي، وقلَّ بمقابلة، وبهذا المعنى أُطلق النَّسْخ على رَفْع اليدين، يعني ثم صار التَّرْك مشهورًا بالعمل بالنسبة إلى الرَّفْع، وإتن الرَّفع ثابتًا في عهد النبوة، والحافظ لما لم يُدْرِك مرادَه اعترض عليه (٢).

قلت: وقد مرَّ معنا أن لا حُجةَ في الشيوع والكثرةِ بعد عهد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فإِنَّ العبرةَ بما كان في عهد صاحب النبوة، لأنه ظهرت في المبالغات فيما بعد. وقد تكلمنا عليه مبسوطًا فيما مرَّ، وذكرنا ما فيه من أعدل الأقوال عندنا.

١٥١ - باب هَلْ لِلأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنَ الْكَفَرَةِ

فِيهِ الْمِسْوَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

قال الحنفية: إنَّ الأسيرَ ليس بِمُعاهد، فله الغَدْر بكلِ نَوْع، ولا تكون له أحكامُ المعاهد، إلا أنه لا يحل له ما يتعلق بَهَتْك حُرمةِ النِّساء، وأمور العفَّة، فإِنَّها معصيةٌ مطلقًا. وبلغنا عن الشاه إسحاق قُدِّس سِرُّه من مُحدِّثي - دلهي - أنه كان يقول: إنَّ أهلَ الهند كالأُسارى في أيدي السَّلْطنَة، وليست لهم معاهدةٌ.

قلت: والذي تحقق عندي أنَّ أهل الهند وإنْ لم يعاهدوهم حقيقةً، غير أن المعاهدةَ قامت بينم وبين السَّلطنة عملا؛ فإِنَّ رَفْع الدَّعوْى إلى المحكمة والاستغاثة بهم، والاستعانة منهم في فَصْل الأقضية في الأموال والأنفس، والرجوعِ في كلِّ ما يُرْجع فيه إلى الحُكَّامِ معاهدةٌ حُكْمًا، وإن لم يكتبه أحدٌ من الفقهاء؛ وحينئذٍ تَنْقل التفاريع، ولا تكون لنا أحكام الأَسْرى، إلا أن تلك المعاهدةَ كانت قائمةً في الماضي في حق الأموال والأنفس جميعًا، وأما الآن فقد نبذنا إليهم حَقِّ الأَنفس على سواء، وهي باقية في الأموال بعد، فلا يجوزُ أَخْذُ أموالهم سرقةً، نعم إن أخذناها منهم عِوضًا عما لنا عليهم من الحقوق جاز، إلا أن أمثال تلك الأمور


(١) قلت: والقول بالنَّسْخ مُشْكِل، لما نقله العينيُّ عن أبي عُبيدة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عَمِل بالآيات كلَّها من القتل، والأسر، والفداء حتى توفاه اللهُ على ذلك. ثُم أَخذَ في تفصيله، فلا جواب إلَّا ما ذكره الشيخ، وللناس فيما يعشقون مذاهب. راجع العَيني.
(٢) قلت: وهذا كما أوردوا في بئر بُضاعة، حيث ادَّعى الطحاوي أنها كانت جاريةً، فحملوه على الجريان المعروف، وقد كف الشيخ عما كان مراده، فيما مر، فليراجع.

<<  <  ج: ص:  >  >>