للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩ - باب قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى

٥٩٨ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ أَبِى كَثِيرٍ - عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ مَا كِدْتُ أُصَلِّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ. قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ، فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ. أطرافه ٥٩٦، ٦٤١، ٩٤٥، ٤١١٢ - تحفة ٣١٥٠

قال أبو حنيفة ومالك (١) رحمهما الله تعالى: إن الترتيب مستحقٌ. وعند آخرين: إنه


(١) قلتُ: ويُسْتَفَادُ من "الفتح" أن مالكًا رحمه الله تعالى تمسَّك على وجوب الترتيب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها". قال الحافظُ رحمه الله تعالى: وذهب مالكٌ رحمه الله تعالى إلى أن من ذكر بعد أن صلَّى صلاةً أنه لم يُصَلِّ التي قبلها، فإنه يُصَلِّي التي ذَكَر، ثم يُصَلِّي التي كان صلَّاها مراعاة للترتيب. اهـ.
قلتُ: وتوضيحُهُ على مَا فَهِمْتُ: أن الشرعَ أوجب عليه أَنْ يُصَلِّي الفائتةَ أولًا، فمن صلَّى الوقتية مع تذكّره بالفائتة، فقد خالف أمر الشارع، فإنه لم يُصَلِّ الفائتة إذا ذكرها، بل قدَّم الوقتيةَ مع تذكُّر الفائتة، وكان الواجبُ عليه تقديمها، وهذا الذي نعني بالترتيب.
والعجبُ من الشافعية رحمهم الله تعالى حيث يَحْمِلُون عموَمه على الأوقات المكروهة، فيجوِّزونَ الصلاة فيها، مع أنه يوجب تخصيصَ النصوص أو تأويلها. ولا يأخذونه في الترتيب، مع أنه لا يُخَالِف أحدًا من النصوص.
فالمأمور به أن يُصَلِّي الفائتة كما ذكر، ثُم يُصَلي الوقتية، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخَنْدَق، فصلى الفوائت أولًا، ثم صلى الوقتية بعدها مع ضيق وقت المغرب عندهم. فلو كان الترتيبُ مستحبًّا كما قالوا، لقدَّم المغرب ألبتَّة، وهذا أقربُ ما يَتَمَسَّك به في وجوب الترتيب.
واستشعر به النووي فقال: وفي هذا الحديث دليلٌ، على أن من فاتته صلاة وذكرها في وقتٍ آخر، ينبغي له أن يبدأ قضاء الفائتة، ثم يُصَلِّي الحاضرة، وهذا مجمعٌ عليه، لكنه عند الشافعيِّ رحمه الله تعالى وطائفةٍ على الاستحباب، فلو صلَّى الحاضرة، ثم الفائتة جاز. وعند مالك وأبي حنيفةَ رحمهما الله تعالى وآخرين على الإيجاب، فلو قدَّم الحاضرة لم يَصِحَّ اهـ.
قلتُ: إن تعجيلَ المغرب أيضًا مجمعٌ عليه، بل ربما أمكن أن يكون أرجح من تقديم الفائتة عند القائلين باستحباب الترتيب، فلا بدَّ لهم لاختيار هذا المستحب دون هذا من نكتة، فإن الظاهر أن يُصَلِّي أولًا الوقتية لإحراز فضيلة الوقتية، فإنها في وقتها بخلاف الفائتة، فإنه يمكن قضاؤها بعد الوقتية أيضًا. وأمَّا نحن معاشر الحنفية فمستريحون، فإن التقديم عندنا واجبٌ، فلا حاجة إلى بيان نكتة. ولمثل هذا كان القول بوجوب الترتيب أولى. وهذا إن قلنا بالسَّعَة في وقت المغرب، وإن نظرنا إلى أن وقتها أضيق عند الشافعية، ففي تقديم الفوائِت تفويت للوقتية، وحينئذٍ لَزِمَ تقديمُ الوقتية؛ مع أن الثابتَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خلافُهُ. وقد استشعر به النوويُّ أيضًا، فقال: وقد يحتجُّ به من يقول: إن وقتَ المغرب متَّسِعٌ إلى غروب الشَّفق، لأنه قدَّم العصر عليها، ولو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضًا، ولكن لَا دَلَالة فيه لهذا القائل، لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمنٍ، بحيث خَرَجَ وقتُ المغرب عند من يقول: إنه ضيق، فلا يكون في الحديث دَلالة لهذا. وإن كان المختارُ أن وقتَ المغرب يمتدُّ إلى غروب الشفق. اهـ قلتُ: وهذا الجواب مما لست أفهمه.
ثم لو راعينا مع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الخَنْدَق قوله: "صلُّوا كما رَأَيْتُمُوني أُصلي" تأيَّد به مذهبُ من قال بوجوب الترتيب. وقد تنبَّه له الحافظ رحمه الله تعالى، ولذا أَلَان فيه الكلام.
وَيخطُرُ ببالي أَن البخاري أيضًا اختار مذهبَ الأحناف. وأغمض عنه الحافظ، ولم يتكلَّم بحرفٍ أنه وافق الأحناف أولًا. فتنبَّهت منه أن ترجمة البخاري عنده أقربُ إلى الوجوب، ولذا انتقل إلى الكلام في الحديث. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>