تعرَّض إلى ما ينبغي للمقتدي مع إمامه من المُعاقبة، أو المُقَارنة. فاعلم أنه اتَّفق كلُّهم على أن المُبَادرة من الإمام مكروهٌ تحريمًا، مع صحة صلاته عندهم، وهذا يَدُلُّ على اجتماع الصحة مع الكراهية، خلافًا لابن تَيْمِيَة رحمه الله. واختلفوا في التعقيب والمقارنة. فذهب الشافعيُّ رحمه الله إلى الأول، وإمامُنا إلى الثاني.
قلتُ: والتعقيبُ بقَدْرِ ما يعلمه المقتدي من حال إمامه مستثنى عقلا، والفاء لا تَدُلُّ على التعقيب الزائد على ذلك، فدلَّ على أن نزاعهم في الفاء غير محرَّر، فإنها وإن كانت للتعقيب، لكنه يتحقَّق بالشروع بعد الشروع. ولا يَلْزَمُ لتحُّقق التعقيب أن يَشْرَعَ بعد فراغ الإمام، فنزاع الإمام إنما يكون ممن يدَّعِي الشروع بعد الفراغ، لا ممن يدَّعي الشروع بعد الشروع. فإن شروع المقتدي لا يكون إلا بعد شروع الإِمام. فهذا القَدْرُ من التعقيب يكفي للفاء، ولا يُنْكِرُه الإِمام أيضًا وأمَّا بعد ذلك، فيقول بالمقارنة، ولا حُجَّة في الحديث على التعقيب أزيد من هذا.
٦٩٠ - بقي قوله: (لم يَحْنِ أحدٌ منا ظَهْرَه) فقد كَشَفَه ما عند مسلم: «أنه أمرهم بذلك حين بَدُنَ، فخشي أن يتقدَّموا عليه»، وقد عَلِمْتَ أنه مكروهٌ تحريمًا.
٥٣ - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
٦٩١ - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ - إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ». تحفة ١٤٣٨٠
ولعلّ الحكمةَ في تحويل رأسه حمارًا: أنه فَعَلَ فِعْلَ الحمار، ولم يَدْرِ أنه إمامٌ أو مأمومٌ، فرفع رأسه قبل الإِمام، ونَصَبَ نفسه مَنْصِب الإِمام مع كونه مأمومًا. ثم المذكور في الحديث هو الخَشْيَة أن يفعل به ذلك، لا أنه إخبارٌ به، ومع ذلك وقع مثله مرةً كما كتبه القاري، والعياذ بالله العلي العظيم.
ثم أقول: إنه محمولٌ على التهديد في الدنيا، ولا يَبْعُد أن يكون ما في الحديث حكمه في الآخرة، فَيْمسَخُ رأسه رأس حمار، والعياذ بالله تعالى.
٥٤ - باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى
وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ. وَوَلَدِ الْبَغِىِّ وَالأَعْرَابِىِّ وَالْغُلَامِ الَّذِى لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - «يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ». ولا يُمنَعُ العبدُ مِنَ الجماعةِ بغير علةٍ.
٦٩٢ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ