للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُشْتَرَطُ فيه الحرية، والأمومية تُنَافِيهَا. والجواب أن يُقَالَ: إن قَيْدَ الإِحصان جاء تَبَعًا للقرآن. والحديثُ إذا تحقَّق اقتباسُهُ من القرآن، فالبحثُ في القيود يَدُورُ في الآية، قال تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] إلخ، قيَّد فيها بالإِحصان أيضًا. وراجع "الفوائد" للشاه عبد القادر، فلعلَّه يُنْجِحُ شيئًا، وقد ذَكَرْتُ حلَّه في مذكرتي، ولا يَسَعُهُ المقام.

١١١ - باب هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا

وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضى الله عنهما - إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِى تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ، وَلَا تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٦].

والسفرُ بها جائزٌ عندنا. أمَّا الاستمتاعُ بالوَطْءِ، أو دَوَاعِيهِ، فلا يجوز، كما ذَهَبَ إليه ابن عمر، وهو مذهبُ العلماء كافةً، إلا أنه لا اسْتِبْرَاءَ عنده في العَذْرَاءِ، وفيها عندنا ذلك. قال الشافعيةُ في أصول الفِقْهِ: إن الحكمَ الشرعيَّ لا ينبغي أن يَخْلُوَ عن الحكمة. ومرادُهم به عدم خلو ذلك النوع، لا أن تتحقَّقَ تلك الحكمة في جميع الجزئيات من ذلك النوع أيضًا. ثم جاء شارحُ «الوقاية» وأوضحه، وزاد من عنده قيدًا آخر، وقال: إن المرادَ من النوعِ النوعُ المنضبطُ، وهو الذي تُعْرَفُ جزئياته من وصفه العنواني، ولا يبقى فيها شبهةٌ.

وإذن الأصلُ أن لا يَخْلُوَ النوعُ المنضبطُ عن الحكمة، أمَّا النوعُ المنتشرُ، فيمكن أن يَخْلُوَ عنها. والعذراء ههنا نوعٌ منضبطٌ يُعْرَفُ بهذا الوصف ما صدقاته بدون ارتيابٍ وشبهةٍ، مع خلوه عن الحكمة. فإنها لا تحتاجُ إلى استبراءٍ أصلا، لأنه لا احتمالَ فيها بشغل الرَّحْمِ، والاستبراءُ يكون له فقط. فحكمُ الاستبراء في العَذْرَاءِ حكمٌ خالٍ عن الحكمة. وكذا أوردوا علينا مسألَةَ نكاح المشرقية بالمغربي، حيث يَثْبُتُ النَّسَبُ عندنا مع عدم إمكان الوطء فيها، وقد فَرَغْنَا عن جوابها. أما مسألة الاستبراء، فقد أجاب عنها الشيخ ابن الهمام: بأنه لا يُشترط تحقق تلك الحكمة حقيقةً، بل يكفي تحقُّقها تقديرًا أيضًا. كما قالوا فِيَمَنْ أَسْلَمَ في آخر ساعة الظهر، أو طَهُرَتْ فيها الحائضة: إن الصلاةَ تَجِبُ عليها، مع عدم التمكُّن على الأداء. فإن القدرةَ وإن انْتَفَتْ ههنا حقيقةً، لكنها متحققةٌ باعتبار التوهُّم، فعُلِمَ أن تحقُّقَها باعتبار التوهُّم أيضًا كافٍ.

قلتُ: وهذا الجواب ليس بمرضيَ عندي، وما أشبهه بأجوبة المعقوليين، فالجواب عندي: بأن الحملَ يُمْكِنُ في العَذْرَاء حقيقةً، كما في «قضيخان»، ولعلَّه في باب الحظر والإِباحة: أن رجلا لو كان يُبَاشِرُ زوجتَه البِكْرَ، فدخل الماءُ في رحمها عَلِقَت، فالعُذْرَة تُزِيلُها القابلةُ بيدها. ولو كانت المسألة في ذهن الشيخ لَمَا احتاج إلى هذا التأويل البعيد الذي صار مطْعَنًا للقوم. وأمَّا مسألةُ وجوب الصلاة، فليس مبناها على تَوَهُّم القدرة، بل سببُ الوجوب عندهم هو جزءٌ من الوقت، وقد وُجِدَ، وليس تمامَ الوقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>