١٥٧٢ - قوله:(فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة) ... إلخ. واعلم أنه ادَّعى الحافظ ابن القيم أنه لم يكن في حجة الوداع إلا سعيٌ واحد، ولم يثبت عن أحدٍ منهم أنه سعى سعيين، حتى المتمتعين أيضًا. قلتُ: وفي هذه الرواية حجةٌ صريحةٌ لتعدد السعي للمتمتعين، وهو مذهبُ الجمهور. ولابن القيم رواية عند أبي داود في باب إفراد الحج وفيه:«فلما كان يوم التَّروية أَهلُّوا بالحج، فلما كان يوم النحر قدِمُوا فطافوا بالبيت، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة» ... إلخ. وهو عند الطحاوي أيضًا متنًا وسندًا. وهو عند مسلم أيضًا مختصرًا، وفيه:«لم يطف النبي صلى الله عليه وسلّم ولا أصحابه إلا طوافًا واحدًا بين الصفا والمروة»، وحمله النووي على القارنين، وليس عليهم عند الشافعية إلا سعيٌ واحد.
قلتُ: كيف حملَه عليهم مع التصريح بكونهم متمتعين؟ فالجواب: إما بالترجيح، وهو لحديث البخاري قطعًا، وتركُ ما عند أبي داود، أو يقال: إن الراويَ أرادَ من النفي في أبي داود نفيَ السعي جماعةً. وهكذا يُستفاد من الأحاديث، فإنَّ معاملَتهم إلى جمرة العقبة كانت جماعة، ثم صارت إرسالا، فأدَّى كلٌّ منهم مناسِكَه، متى تيسر له. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم «أني نحرتُ ههنا. ومِنى كلها منحر، فلينحر كلكم أين شئتم». أو يُقال: إنهم طافوا متنفلين بعد إحرام الحج، وسَعوا بعده، وإذن لا يجبُ عليهم السعي ثانيًا بعد طواف الإِفاضة، ويُحتمل أنْ يكونَ الطوافُ المذكور فيه طوافَ الصدر بعد طواف الزيارة، ولا سعي في طوافِ الصدر.
قوله:(وأباحه للناس غير أهل مكة) ... إلخ، فهذا ابن عباس يؤيدُ الحنفيةَ أنْ لا قِرَان للمكي ولا تمتع، وأن ذلك إشارةٌ إلى التمتع والقران كما قلنا، لا إلى الدم، كما اختاره الشافعي.