للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: وهو الأوجه، كأن الإِلمام يتحققُ في التمتع، فيبطل، بخلاف القِرَان، فلا يبطل. ثم اعلم أن الشيخ ابن الهُمَام قام دهرًا على أن المكيَّ لا عمرةَ له في أشهر الحج، سواءٌ أراد الحجَّ أو لا. واتفقَ له في ذلك مناظرةً مع علماء مكة، ثم تبيَّنَ له بعد ثلاثين سنة أن الصواب مع الجمهور، أنَّ الكراهةَ للمكي فيما إذا أراد الحج من عامه ذلك، وإلا فلا بأس في العمرة في أشهر الحج (١)، وكتبه على الهامش، ثم أدخله بعضُهم في الصُّلْب، ولعله من تلميذه العلامة قاسم. وعند الشافعي قوله: ذلك إشارة إلى الدم المذكور، واعترض عليه الحنفية أنَّ المناسبٍ حينئذٍ أنْ تكون «على» أي ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقد أجابوا عنه أيضًا. ثم قال الحنفية: إن المرادَ من الحاضرين هم الذين في داخلِ الميْقَات. وقيل: ساكني المسجد الحرام خاصة.

١٥٧٢ - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَاّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْىَ». فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ وَقَالَ «مَنْ قَلَّدَ الْهَدْىَ فَإِنَّهُ لَا


= الجمع، لا يحرجُ في الجمع، فحين وجب عدمُ الجمع لم يكن إلا لأمرٍ زائدٍ، وليس هنا سوى كونه في الجمع موقعًا العمرة في أشهر الحج. ثم لا شك أن منعَ العمرة في أشهر الحج للمكيِّ متعينٌ على الاحتمال الأول، الذي أبديناه في قوله: وليس لأهل مكة تمتع ولا قِرَان ... إلخ. وهو أنَّ العمرةَ لا تتحققُ منه أصلًا، لأنه إذا لم يتحقق منه حقيقةُ التمتع الشرعية، لا يكونُ منعُه من التمتعِ إلا للعمرة، فكان حاصلُ منعِ صورةِ التَّمتع إما لمنع العمرةِ، أو الحج، والحجُّ غير ممنوع منه، فتعينت العمرة.
غير أني رجحتُ أنها تتحقق، ويكون مستأنسًا بقول صاحب "التحفة"، لكن الأوجه خلافُه، لتصريح أهل المذهب من أبي حنيفة، وصاحبيه في الآفاقي الذي يعتمر، ثم يعود إلى أهله، ولم يكن سَاق الهَدْي، ثم حج من عامه بقولهم: بطل تمتعه. وتصريحهم بأن من شرطِ التمتعِ مطلقًا أن لا يُلمَّ بأهله بينهما إلمامًا صحيحًا، ولا وجودَ للمشروطِ قبل وجودِ شرطه. ولا شك أنهم قالوا بوجود القاصد مع الإِثم، ولم يقولوا بوجود الباطل شرعًا مع ارتكاب النهي، كبيع الحج ليس ببيع شرعي. ومقتضى كلام أئمة المذهب أولى بالاعتبار من كلام بعض المشايخ.
وإنما لم نسلك في منع العمرةِ في أشهرِ الحج مسلَكَ صاحب "البدائع"، لأنه بناه على أمرٍ لم يلزم ثبوتُه على الخصم، وهو قوله: جاء في بعض الأوجه أن المرادَ: للحج أشهر، واللام للاختصاص، وهذا مما للخصم منعه، ويقول: بل جازَ كونُ المرادِ أنَّ الحج في أشهر معلومات، فيفيدُ أنهُ يفعلُ فيها لا في غيرها، وهو لا يَستلزمُ أن لا يُفعل فيها غيره. والله أعلم.
(١) هذا عكس ما في "فتح القدير" كما نقله فضيلة الجامع، فراجع ما في "الحاشية" قوله: حتى لو أنَّ مكيًا اعتمر ... إلخ؛ وراجع أيضًا قوله: إن الوجهَ منعُ العمرة للمكي في أشهر الحج، سواء حج من عامه، أو لا ... إلخ. فالذي رجع إليه ابن الهمام آخرًا، هو عدم جوازِ العمرة في أشهر الحج للمكي مطلقًا. نعم، استدل له بخلاف ما استدل به. فعلى هذا وقع الخطأ في ضبط كلام إمام العمر صاحب "فيض الباري" ولعله قاله على عكس ما هنا مطابقًا "للفتح" فتنَبَّه. (مصححه البِنَّوري).

<<  <  ج: ص:  >  >>