قوله:(ما أَنْتُمْ بأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ) وقد مرَّت مسألةُ سماع الأموات. وأمَّا قولُه تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر: ٢٢]، فلقائلٍ أن يقولَ: إنه محمولٌ على نفي سماعٍ يترتَّبُ عليه الإِجابة. أو على نفيه بحسب عالمنا، فإن السماعَ إن كان، فهو في عالمٍ آخر. وإمَّا في عالمنا فهو كالمعدوم، أو أنه على حدِّ قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}[البقرة: ١٨]، مع وجود السمع، والنطق، والبصر، كما أَجَابَ به السيوطي في نظم:
* وآيةُ النفي معناها سماعُ هدى ... لا يَقْبَلُونَ، ولا يَصْغُونَ للأَدَبِ
واعلم أن التَّفْتَازَانيَّ نقل الإِجماع على علم الأموات، وإنَّما الخلافُ في سماعهم. وكذا نَقَلَ أن لا خلافَ في نفس سائر الصفات غير السماع، فالإِيابُ، والذهابُ، ونحوهما منفيٌّ عنهم رأسًا. ونَقَلَ ابنُ حَجَرٍ في «فَتاواه»: أن الأموات يتحرَّكُون من مكانٍ إلى مكانٍ أيضًا، وَأَنْكَرَ الاتفاقَ فيه. قلتُ: كلامُ التفتازاني في حقِّ الأجساد دون الأرواح، وإثباتُ ابن حَجَر في حقِّ الأرواح، فَصَحَّ الأمران.
قوله:(قال قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حتَّى أَسْمَعَهُمُ)، ويُؤَيِّدُ هذا الراوي ما عند ابن كثير:«إذا مرَّ أحدُكم بقبر رجلٍ يعرفه، يَرُدُّ اللَّهُ تعالى عليه روحَهُ» ... إلخ. فَدَلَّ على رَدِّ الروح عليه، فلا يَسْمَعُ في كلِّ وقتٍ.