للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم في الجواب (١) للأذان الثاني من يوم الجمعة ثلاثةُ أقوال: ففي «العناية»: أن الإمام إذا جَلَسَ على المِنْبَرِ، فلا صلاةَ ولا كلامَ غير جواب الأذان. وفي الزَّيْلَعِي «شرح الكنز»: نفي الكلام مطلقًا، فلا يجوز الجواب أيضًا. وفي «البناية»: جواز الكلام الديني مطلقًا، وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه كان يصحِّح كتابه إذا لم يَبْلُغْه صوت الإِمام، وعندي: له أن يُجيبه إذا لم يُجِبْ الأذان الأول.

[فائدة]

واعلم أن الأدعية بهذه الهيئة الكذائية لم تَثْبُت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ولم يَثْبُت عنه رفع الأيدي دُبُر الصلوات في الدعوات إلا أقل قليل، ومع ذلك وَرَدَت فيه ترغيباتٌ قوليةٌ، والأمر في مثله أن لا يُحْكَم عليه بالبدعة، فهذه الأدعية في زماننا ليست بسنةٍ بمعنى ثبوتها عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وليست ببدعة بمعنى عدم أصلها في الدين، والوجه فيه ما ذكرته في رسالتي «نيل الفرقدين»: أن أكثر دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كان على شاكلة الذكر، لا يزال لسانه رَطِبَا به، ويَبْسُطه على الحالات المتواردة على الإنسان من الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، ويتفكَّرون في خلق السموات والأرض. ومثل هذا في دوام الذكر على الأطوار لا ينبغي له أن يَقْصُر أمره على الرفع، فإنه حالةٌ خاصةٌ لمقصد جزئي، وهو وعاء المسألة. فإن ذُقْتَ هذا، نفِّس عن كُرَبٍ ضَاقَ بِهَا الصدر، لا أن الرفعَ بدعةٌ، فقد هَدَى إليه في قوليات كثيرة، وفعله بعد الصلاة قليلا، وهكذا شأنه في باب الأذكار والأوراد، اختار لنفسه ما اختاره الله له. وبقي أشياء رَغَّب فيها للأمة، فإن التزم أحد منا الدعاء بعد الصلاة برفع اليد، فقد عَمِلَ بما رغَّب فيه، وإن لم يكثره بنفسه. فاعلم ذلك اهـ (٢).

٨ - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ

٦١٤ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ


(١) قال مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى في "السعاية": وقع السؤال عن دعاء الوسيلة بعد الأذان الثاني يوم الجمعة عند جلوس الإمام على المنبر، هل يُكْره على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى؟ ومُقْتَضَى التحقيق أنه لا يُكْره عنده الكلام الأخروي في ذلك الوقت على الأصحِّ. نعم ذكر الزَّيْلَعِي أن الأحوط هو الإنصاتُ عن الكلام مطلقًا من حين جلوس الإمام على المِنْبَر. ثم ذَكَرَ الكلامَ في إجابة الأذان الثاني، فاختار أن كراهةَ مطلق الكلام مرجوحةٌ، كما قال في "النهاية": اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، قال بعضهم: إنما يُكْرَه الكلام الذي هو من كلام الناس، أَمَّا التسبيح وأشباهه، فلا يُكْرَه. وقال بعضهم: كل ذلك، والأول أصح اهـ.
ولقد أطال الكلام فيه مولانا عبد الحي رحمه الله تعالى، وهو مهمٌ فليراجع.
(٢) قلتُ: ونحوه في الأذان، فإنه ثَبَتَ في فضيلته أحاديثُ كثيرة، ثم لم يَثْبُت عنه فيما أعلم مباشرته بالأذان بنفسه ولو مرَّة، نعم ثَبَتَ فعله في زمن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - متواترًا، وهذا أمر آخر، وإنما الكلام في فعله بنفسه. ويقاربه فعله في صلاة الضحى، فإنها وإن ثَبَتَت في بعض الروايات، لكنه أقل قليلٍ حتى أن بعضَهم ذَهبَ إلى إنكار ثبوتها فعلًا، والصحيحُ أنها ثابتةٌ، ولو قليلًا، فَعُلِمَ من هذا أنّ الشيء قد يكون من باب الفضيلة، ثم لا يُنْقَلُ العملُ به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>