الأَمر إذا وَرَدَ بإِيقاع فِعْل على محل، هل يقتضي ذلك استيعابَه أم لا؟ فذهب نَظْر الإِمام الأعظم إلى أنه لا يقتضِيه، بل الرُّبُع منه يقومُ مقامَ الكُّلِّ، فاعتبره في «باب المسح»، والحَلْق في الحج»، و «كشف العورة»، و «نجاسة الثوب»، و «الأضحية» وغيرها». وذهب نَظَرُ الشافعية إلى أَنَّ أَدنى ما يُطلق عليه الاسمُ يُحْكِي عن الكُّلِّ، ونَظر مالك إلى أنه يقتضي استيعابَ ذلك المَحِّل. ومن ههنا اختلفت تفاريعُهم في تلك المسائل. وحينئذٍ لا يرد عليه ما أورده الشيخُ ابنُ الهمام.
ثم إنه لا رَيْب أن الشَّيْخَ ابن الهُمام أَصُولي حاذق، فانظر كيف آخذ على صاحب «الهداية»، وكيف فَرَّقَ بين المِقَيس، والمقيس عليه. بخلاف الحافظِ ابن حجر، فإِنَّه مع كونِه حافظ بلا مِرية، ومُحَدِّثًا بلا فِرية، ليس له شأنٌ في الأُصول، كالشيخ ابن الهمام. ولذا احتجَّ للقيام في مولد النِّبي صلى الله عليه وسلّم من قوله صلى الله عليه وسلّم «قوموا لسَيِّدكم»، مع الفارِق البيِّنِ بين الوضعين، فإِنَّ القيام في المِقَيس عليه للإِعانة، لأنه كان مَجْروحًا، وهو في المَقِيس للتعظيم، وكذا الحُكْم في المِقيس عليه من عالم الأجسام، وفي المِقيس من عالم الأرواح. وكذا عِلَّة القيام فيالمِقيس عليه مُتحقِّقة، وفي المقيس موهومة؛ وبالجملة قياسُه فاسِدُ من وجوه؛ لكونِهِ قياسَ عالم الأرواح على عالم الأجسام، والموهوم على المتَحققِ، فكم من فَرْق بين مَدَارِك الشَّيخ، ومدارِك الحافظ في هذا الباب، ولا تحزن، فإِنَّ الله تعالى خَلَقَ للفُنون رِجالا، فالرجلُ وفَنَّه، والرَّجل وصَنْعتُه.
٥ - باب إِذَا أَوْمَأَ الْمَرِيضُ بِرَأْسِهِ إِشَارَةً بَيِّنَةً جَازَتْ