للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الترجمةَ تُناقِضُ تَرْجَمتَه: الثانية «باب إذا جاء صاحِبُ اللُّقَطة بعد سنة ردَّها عليه، لأنها وديعةٌ عنده» اهـ. فإِنها تَدُلُّ على أَنَّه لا يَمْلِكُها، ولكن يجب عليه الردُّ.

قلت: ولا تنافي بينَ التَّرْجَمتيْن، فإِنَّ الأولى فيما إذا صَرَفها على نَفْسه بعد سنة، ولم يجيء المالك. والثانية فيما إذا جاء المالِكُ والشيءُ قائمٌ في يده، فيكون في يده وديعةً لا نحالةَ: والحاصل أن الأولى فيما صَرَفه على نَفْسه. والثانية فيما كان موجودًا عنده. والشارِحون يحملون تراجمة على مسائلهم التي في فِقْههم، مع أن المصنِّف ليس يتابع لهم، فيختار من المسائل ما شاء، ويترك ما شاء؛ والحاصل أنه لا دليلَ في تلك الترجمة على كَوْنِ اللُّقطةِ مملوكةً عنده، ولكن أباح له بعد سَنةٍ أن يصرفها إلى نفسه، سواء كان غنيًا، أو فقيرًا؛ فإِنَّ لم يجيء مالِكُها فلا ضمانَ عليه، وإما إن جاء صاحِبُها، واللقطةُ في يده، فهي له لكونها وديعةً عنده، ولا أدري كيف حملوها على التملك مع أنَّه صرَّح في ترجمةٍ أخرى أنها وَدِيعةٌ عنده، وأنه يردُّها إليه.

[فائدة: الكلام في الكرابيسي]

هذا هو حُسينُ بن علي الكرابيسي، وهو رجلٌ عظيمُ الشَّأنِ، من تلامِذة الشَّافعي، معاصرٌ لأحمدَ، وشيخُ للبخاري، ومنه تَعلَّم البخاريُّ قوله: «لَفْظي بالقرآن مخلوق». ثمُ إنَّ اختلفوا فيه، ولا أعرف فيه شيئًا، إلا أنَّ أحمد لم يكن راضيًا عنه، لأنه وَرَّى في مسألة خَلْق القرآن، ولم يختر في التعبير ما اختاره الإِمام أحمدُ، وتِلك سُنَّة قد جرت من قبل، أَنْ مَن يقاسي المصائب، ويتحمل المشاقّ للذِّين، تُجلب قلوبُ الناس إليه، وَينْزلُ له القبولُ في الأرضِ، ويصيرُ ذا وجاهةٍ ومكانةٍ بين الناس، فَمَدْحُه مَدْح، وقَدْحُه قدح، كما ترى اليوم أيضًا؛ فلما تكلَّم أحمدُ في تلك المسألةِ، وصُبَّت عليه من المصائب التي عَلِمها العوامُّ والخواصُّ، فصبر عليها، وُضِع له القبولُ في الأرض؛ فكلُّ مَنْ جرَّحه أحمدُ صار مجروحًا عندهم، ومَنْ وَثَّقه صار عندهم ثقةٌ. وهذا هو السرُّ في خُموله، وإلا فلا رَيْب في كونه رجلا عظيم القَدْر، نبيه الشأن. وفي كتاب «التاريخ» أنَّ عقائد البخاريِّ أكثرُها مأخوذةٌ من الكرابيسي، ومنها: «لفظي بالقرآن مخلوقٌ، فلو كان سببًا للجرح، فالبخاريُّ أيضًا قائل به، فيلزم أن يكونَ أيضًا مجروحًا.

٥ - باب إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِى الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ

٢٤٣٠ - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ - وَسَاقَ الْحَدِيثَ - فَخَرَجَ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ». أطرافه ١٤٩٨، ٢٠٦٣، ٢٢٩١، ٢٤٠٤، ٢٧٣٤، ٦٢٦١ - تحفة ١٣٦٣٠ - ١٦٤/ ٣

والتعريفُ في مِثْل هذه الأشياء اليسيرةِ يكونُ بِقَدْر ما يرى، فيعرِّفها أيامًا معدودةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>