٦٢٠٣ - قوله:(يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ)، فكنَّاه بذلك، وهو صغيرٌ، ولا كذبَ فيه. فدلَّ على أن للكلام أنحاءً، وإذن صار الكذبُ والصدقُ أمرًا عُرْفيًا. أَلَا ترى أن البخاريَّ لمَّا امتحنه الناسُ وسألوه عن أحاديثَ، لم يمرُّوا على حديثٍ منها إلَّا قال لهم: لا أدري، حتَّى إذا أتمُّوها بيَّن الصوابَ من الغلط، وميَّز اللبنَ عن الرَّغْوَة؟ فلم يكن في قوله: لا أدري كذبٌ أصلًا. وقد أكثر الغزالي في «الإِحياء» في ذكر أنواع الكلام في باب حفظ اللسان، وأتى بأمثلةٍ لا كذبَ فيها، مع كونها داخلةً تحت الكذب على المشهور.
قوله:(فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ، وهُوَ في بَيْتِنَا)، هذا التعبيرُ بعينه أتى به الراوي في قصة السقوط عن الفرس. ولمَّا كان المرادُ من الصلاة هناك هي النافلةُ، احتمل أن يكونَ المرادُ في قصة السقوط أيضًا هي هذه، فهذا نظيرٌ لذلك الاحتمال.
ثم أقولُ: إنَّ الراوي لم يُحْسِنْ في هذا التعبير، فإنَّ الأحرى به هي الفريضةُ، لكون أوقاتِها متعينةً. بخلاف النافلة، فإنَّ وقتَها لمَّا لم يكن متعيِّنًا، لم يُحْسِنْ فيها قولَه:«حضر الصلاةَ». وَكذا قوله:«ربما» في غير موضعه، فإنَّها واقعةٌ واحدةٌ، لا أنَّها كانت عادةً له.