لأنه لا يَجُوزُ الفِطْر عندنَا للمسافر إذا صام. نعم له الخيار بين الفِطْر والصوم من أول النهار، فإن اخْتَارَ الصومَ وَجَبَ له الإتمام.
قلتُ: وفِطْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لم يَكُنْ من باب الرخصة للمسافر، بل هو من بابٍ آخر، وهو أن الإِفطارَ يجوز عندنا للغُزَاةِ إذا خافوا الضعف بدون فصلٍ، كما في «التاتارخانية». وسياق البخاريِّ يُرْشِدُ إليه، وأَصْرَحُ منه ما عند الترمذيِّ، فإنه يَدُلُّ على أن الإِفطارَ إنما كان على الوصف الذي ذكرنا، لا لكونه مسافرًا فقط.
ثم ههنا دقيقةٌ أخرى، وهي أنه من باب ترجيح إحدى العبارتين عند التزاحم، وذلك إلى الشارع، كالصوم والجهاد ههنا، فرجَّح الشارعُ الجهادَ، ورخَّص بإِفطار الصائم. وكذا إذا تَعَارَضَ بين الجهاد والصلاة رجَّح الصلاة، وعَلَّم صلاة الخوف. وكذلك إذا تَعَارَضَتْ الصلاةُ والحجُّ، أي الوقوف بعرفة رجَّح الحجَّ، فعلَّم الجمع بين الصلاتين فاعلمه، فإنه بابٌ آخر لا يَدْخُلُ فيه القياس.