للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقي أنه هل يجب علينا أن نُعَيِّن مِصْدَاقه بحَسَبِ مسائلنا أو لا؟ فأقول: إن الحديث لم يُسَقْ لِمَا فَهِمُوه؛ بل سِيقَ لتَسْلِيَة المقتدين في اقتدائهم بالأئمة الفُسَّاق، كما في الحديث الآتي: «ويصلِّي لنا إمام فتنة ونتحرَّج»، فهذا التحرُّجُ بحَسَب معتقداتهم الذهنية، أو الفِسْق الخارجي، كما يُسْتَفْتَى اليوم: إن إمامنا زوجته تَخْرُج بدون الحجاب، أو ليس بمتدِيِّن، أو يأكل الرِّبا، أو يصلِّي لغير الوقت مثلا. فهذه كلها نقائص من الخارج، لا أنهم تحرَّجُوا عن الاقتداء خلفهم لأن إمامهم كان يصلِّي بهم بدون طهارة، أو مع تَرْك التعديل، أو كان يُنْقِص في أجزائها، وحنيئذٍ لم يبقَ لنا حاجةٌ إلى تعيين مِصْدَاقه، لأنه لم يُسَقْ في أفعال الصلاة؛ بل سِيقَ لإزالة التحرُّج الذي حَدَث في أذهانهم بحَسَبِ الاعتقاد السوء للإمام، وهو ذهني، وهذا الذي أَرَدْنَاه بالدواخل والخوارج فيما مرَّ فأزاحه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وعلَّمهم أن نياتكم معكم، وعاقبتهم معهم.

ومع هذا لو تبرَّعنا ببيان مِصْدَاقه كان أحسن فاعلم أن ما يُسْتَفَاد من كُتُب الحنفية في الاقتداء بالأئمة الذين يُميِتُون الصلوات أن يصلُّوها منفردين في أوقاتها، فإِن أدركوها معهم لا يُعِيدُون غير الظهر والعشاء. وأَقول من عند نفسي: لهم أن يُعِيدُوا سائرها إن خافوا الإيذاء منهم (١) لقوله صلى الله عليه وسلّم «إن وَبَاله يكون عليهم». - بالمعنى - وقد مرَّ عن «البحر»: أن الإمام لو كان مُبْتَدِعًا، فإن لم تبلغ بدعته إلى حدِّ الكُفْرِ يَصِحُّ الاقتداء به، وهو أفضل من الانفراد، وكَتَبَ فيه هذا اللفظ، أعني: وعليه ما عليه. والابتداع قد يكون في أفعال الصلاة، وقد يكون في خارجها أيضًا.

قوله: (فإن أصابوا فلكم)، واتفق (٢) الشارحان أن هذه الأحاديث في الأوقات، فالمراد منها إصابة الوقت والخطأ فيه. وأما مسائل الشافعية فمن باب التَّفقُّه، وقد نَبَّهناك أنها لا تأتي تحت هذه الأحاديث، ولا يُنَاسِب استنباطها منها، ومع ذلك أدرجها الحافظ رحمه الله ههنا. وجملة الكلام: أن اللفظ وإن كان عامًا، لكن عمومه ليس بِمْنَوِيَ ولا مقصودٍ، والحديثُ أضيقُ ما حَمَلَ عليه الشافعية، فافهم.

٥٦ - باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ

وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ.

٦٩٥ - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِىِّ بْنِ خِيَارٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى


(١) قلتُ: وأخرج الطحاوي عن إبراهيم: أنه كان يَكْرَه أن يُعاد المغرب إلَّا أن يَخْشَى الرجل سلطانا، فيصليها ثم يشفعُ بركعة، وهذا يؤيد ما قاله الشيخ رحمه الله تعالى.
(٢) قال الطحاوي في "مشكله" ما حاصله: إن الحديث سِيقَ في خطأ الإمام في إصابته وقت الصلاة، فدل على أنه أيضًا حمله على الوقت، لا على الانتقاص في أجزاء الصلاة.
قلت: وقد كرَّرت في البيان ليتقرَّر منه شيء في الأذهان، ويَخْرُج من الغياب إلى العيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>