هذا الشأن إلا شأن العلم الكلي فلم يُعط أحدٌ إلا جُزئيات منتشرة.
أما العلمُ الذي كالمفتاح فهو عند ربك الذي لا تخفى عليه خافية، وحينئذٍ صح الحصر في قوله:{لَا يَعْلَمُهَآ إِلَاّ هُوَ} بدون تأويل. أما تخصيصُ الخمس مع أن أصولَ الأشياءِ الأُخر أيضًا لا يعلمها إلا هو. فقيل: إن هذه أنواع والكل راجع إليها. قلت: بل لأن سؤال السائل لم يقع إلا عن هذا الخمس، كما ذكره السيوطي في شأن نزولها في «لباب النقول في أسباب النزول» وفي «الدر المنثور».
هذا بابٌ بلا ترجمة والمناسبةُ ظاهرة، لأن هِرَقْل كان عالمًا بالتوراة، وأنه أطلق الإيمان على الدين فقال:
(هل يرجع أحد سخطة لدينه)، ثم قال:(وكذلك الإيمان) ... إلخ فدل قولُهُ على أن الدينَ والإيمان واحدٌ عنده. وهذا الحديث أظهرُ في مقصوده مما سبق، لأنه أطلق الدينَ فيما سبق على مجموع الإيمان والإسلام والإحسان. وقال في آخره:«جاء يعلم الناس دينهم». ويمكن المناقشة فيه بأن النزاع في اتحاد الدين والإيمان. أما كونُ المجموع دينًا فليس محلًا للخلاف، وما أخرجه ههنا صريح في اتحاد الدين والإيمان، فكان أظهرُ في مقصوده. ثم البَشَاشةُ في حديثه إشارةٌ إلى مرتبةِ الإحسان.
٤٠ - باب فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
والمرادُ منه الاحتياطُ في الدين، وهو وإن كان خارجًا من الدين باعتبار بعض الجهات، لكن المصنفَ رحمه الله تعالى جَعَلَهُ أيضًا من الدين يعني إذا أحرزَ الرجلُ من دينه القدْرَ الضروري واحتاط بعد ذلك استبراء لدينه، فهل يُعدُّ ذلك من الدين مع أنه أحرز دينَه من قبل؟ فقد عُلم من الحديث أنه أيضًا من الدين وإن كان زائدًا عليه من جهة أخرى. وهذا تقسيم آخر للدين والإيمان إلى من استبرأ لدينه، وإلى مَنْ لم يستبرىء. ولمن استبرأ لدينه زيادةُ فضلٍ على من سواه، فدل على ثبوت المراتب في الإيمان. ثم العبادةُ شيءٌ وجودي، والزهد: قِلةُ رَغْبَةٍ في الدنيا، والورع: احترازٌ عن الشُّبهاتِ، فهو شيء عدميٌّ.