للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالجوارح إذا صدرت عنه بذلك الخشوعِ والخضوعِ فقد خَرَجَ إيمانه إلى الأعضاء ودخل إسلامه في القلب واتحدت المسافتان، وحينئذٍ فالإسلام والإيمان شيء واحدٌ، بخلافِ ما أذا بقيَ تصديقهُ في القلب ولم يظهر إلى الأعضاء، أو اقتصر إسلامه على الأعضاء ولم يحصل له الإحسان، فبقيَ إسلامه على الأعضاء فقط ولم يسرِ إلى القلب، فهذا الإسلامُ غير الإيمان، والإيمانُ غير الإسلام، وقد ذكرناه سابقًا أيضًا.

(ما المسؤول عنها) ... إلخ، ولم يقل: لست بأعلمَ منك، لأن الكناية أبلغُ من التصريح، كقوله تعالى {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا} [يوسف: ٢٣] وذلك لكونه أبلغ.

(إذا ولدت الأمة) ... إلخ، أي تصير الأصول فروعًا والفروعُ أصولًا. فالمرادُ منه انقلابُ الأمورِ عند إبَّانِ الساعة. وفيه شروحٌ عديدٌ أخرى أكثرها مرجوحةٌ عندي. ويؤيدُ ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلّم «إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة»، فهو الحريُّ بالأخذ، لأن الحديثَ يفسرُ بعضَه بعضًا. ثم إن التمسك فيه على جواز بيع أمهات الأولاد أو على عدم جوازه في غير موضِعه، فلم نلتفت إليه.

(في خمس) ... إلخ أي علمُ وقتِ الساعةِ داخلٌ في خمس. ثم اعلم أن هذه الخمسَ لما كانت من الأمور التكوينية دون التشريعية، لم يُظْهِر عليها أحدًا من أنبيائه إلا بما شاء، وجعل مفاتيحه عنده فقال: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} [الأنعام: ٥٩] لأنهم بُعِثُوا للتشريع، فالمناسبُ لهم علومُ التشريع دون التكوين. ثم المراد (١) منه أصولها. وأما علمُ الجزئيات فقد يُعطى منه الأولياء رحمهم الله تعالى أيضًا، لأن علمَ الجزئيات ليس بعلم في الحقيقة، لكونها محطًا للتحولات والتغيرات، ولأن علمًا جزئيًا لا يوصل إلى علمٍ جزئي آخر فكأنه ليس علمًا. وإنما العلمُ علمٌ يوصِلُ إلى علمِ جميع أفرادِ ذلك النوع، وليس ذلك إلا علمُ أصولِ الشيء.

ألا ترى أن ألوفًا من المصنوعات تُجْلبُ إلينا من ديار الأوربا ونحن نشاهدها ونعلمها، ولكن لا علم لنا بأصولها، فأيّ علم حصَّلناه بتلك الجُزئيات؟ ولكنّ العلمَ هو العلمُ الكُلي يتمكنُ به صاحبه من علمِ الجزئيات من ذلك النوع بأسرها ويطلع على حقائقها، وإليه أشار سبحانه بالمفاتح، فإنك إذا أُوتيت مِفْتَاحًا قَدَرْتَ على فتح المغاليق كُلِّها مهما أردت، وليس


(١) واستشكله الرازي ثم لم يُجب عنه موضحًا. ومرّ عليه الشوكاني فقال: إنه من زيغ فلسفته فإنه لا علم لأحد منهم يجزِنيِّ من جُزئيات الغيب. "قلت": وإنما يَسمعُ دعواه من لا خبرة له بما دار في الدنيا، ولو طالع التاريخ لعلم أنَّ لأخبار بالمغيبات فنونًا ذكرها ابن خلدون. وقد اشتُهِرَ أن الكهنة أخبروا بشيء ثم وقع كما أخبروا به فليس ذلك من زيغه، بل لعدم وقوف الشوكاني بحقيقة الحال. واعلم أن الشوكاني الذي يُنكرُ على تقليد الأئمة ثم يريدُ هو أن يدعوَ الناس إلى تقليده، قد صنف تفسيرًا سماه "فتح القدير" فجاء نواب صديق حسن خان بعده وألحقَ به مقدمةً من قِبَلِه، وزاد ونقَّصَ فيه وسماه "فتح البيان" هكذا في تقرير الفاضل عبد العزيز الكاملفوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>