أَلَا ترى أن ما رُوِيَ من قصة امرأة باتت ساغبة، فذهب زوجها لِيَكتَسِبَ شيئًا، فجلست تعده على الرَّحى، فَأَدَارَتُهُ، فوجدت فيه دقيقًا، حتى إذا رفعته انقطع. وكذلك: "أمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مولاه، أن يُنَاولَه الذراع، حتى إذا نَاوَلُه الذراعان، قال: إنما للشاة ذراعان، فقال: لو ناولتها لناولت ذراعًا فذراعًا". وهكذا يكون بأرباب الحقائق، فإنهم إذا حَكُوا عن أحوالهم بين كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، جليلٍ وحقيرٍ، ربَّما تَنْقَطِعُ عنهم تلك الأحوال. فالحاصلُ: أن تلك الأمور مبناها على الستر، وعدم التعرُّض منه، وعدم السؤال عليه: بكيف؟ ولمَ؟ هكذا فَهِمْتُ من طريق الشيخ مع الإِيضاح، وذكر الشواهد مني. وإنما أطَلْتُ الكلامَ فيه للتنبيه على أن هذا بابٌ مستقلٌّ، وله طريقٌ مستقلٌّ، وقد رُوِعي ذلك الطريق في تلك المواضع. ومن هذا الباب: ما رُوِي في بركة الطعام عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم إني أجدُ أن التقديرَ جرى في مثلها أن لا تبقى تلك الأشياء إلى الأبد، بل تَنْعَدِمُ، إمَّا بغَفْلَةٍ منه، أو بأمرٍ سماويٍّ. فَسَقَطَ خاتمُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في البئر في زمن عثمان، ثم لم يُوجَد. وفُقِدَ جِرابُ أبي هريرة يوم استشهد عثمان، وفيه يقول: للناس همٌّ، ولي همَّان بينهم: ... فقدُ الجِرَاب، وقَتْلُ الشيخ عثمانا ورفعت المرأةُ رحاه. ولم يُنَاوله مولاه ذراعًا آخر، بعد الذراعين. وكالَت عائشةُ ما في بيتها، ففني زادها. وأمسك الصحابيُّ عن قراءة سورة الكهف، فارتفعت السَّكِينَة. وربط النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشيطانَ، جاءه في صورة هِرَّة، فتذكر دعوة سليمان عليه السلام، فأرسله. وأراد أن يأخُذَ عنقودًا من الجنة حين تمثَّلت، ثم لم يأخذها. وأُعْطي علم ليلة القدر، ثم نُسِّيَ. وأين تابوت السكينة؟ وأين قرنا كبش اللتين كانتا في البيت؟ وأمثال ذلك كثير، لم نُرِدَ إحصاءها، فعليك باستخراجها من مظانِّها.