المرتبة الأولى يُجعلُ كالنوع، ويدرجُ تحتَهُ ما ورد في المرتبة الأولى، وهكذا ما وضعه النبي صلى الله عليه وسلّم في المرتبة الثانية. يُجعلُ أيضًا كالنوع، ويدرجُ تحتَهُ جملةُ الأمور التي عُدت في المرتبة الثانية.
وهكذا أقول: وهذا إنما يصلحُ جوابًا إذا كان الاختلافُ في جواب الأفضلية، بذكر أمر مرة وأمر آخر مكانه مرة أخرى، كما في الحديث المار، فإنه أجاب مرةً بكون الأفضل «من سلم» ... إلخ ومرة بكونه «إطعام الطعام» ولا يجري فيما إذا جعل أمرًا في المرتبةِ الأولى في حديث، وجعل ذلك بعينه في المرتبة الثانية في حديث آخر، فإن كونَ الشيء في المرتبة الأولى، والمرتبة الثانية معًا غير ممكن، فلا يمكن أن تكون الصلاةَ مثلًا أفضلُ من الجهاد، ومفضُولةً منه أيضًا، فإن أُجيب بتعدد الجهات، فهذا غيرُ جوابِ الطحاوي رحمه الله تعالى، إلا أن يتتبَّعَ الطرق، فإن تحقق بعده أن التقديم والتأخير إنما جاء من قبل الراوي، فوضع ما كان في المرتبة الأولى في المرتبة الثانية، أو بالعكس، نفذ جوابه. وإن تحقق أنه كذلك من جهة صاحب الشريعة، وليس من جانب الراوي، بقي الاشكال ولا يدفعُهُ جواب الطحاوي رحمه الله تعالى.
(وتقرأُ السلام)(١) واستثنى منه فقهاؤنا مواضع عديدة لا يقرأ فيها السلام، وليراجع له «الدر المختار» من «باب الحظر والإباحة» واعلم أن صيغة: السلام عليكم ينبغي أن يفيدَ القصرُ لاشتماله على التعريف. قلت: لا قصر فيه. فإن شئتَ تفصيل المقام: فاعلم أن ما اشتهر عندهم أن الجملةَ الإسمية إذا اشتملت على المعرَّف باللام وحرف يعينُ على القصر في الجانب الآخر، يفيدُ القصر، إنما هو إذا كانت اسمية ابتداء غير معدولة عن الفعلية، وإن كانت معدولة
(١) وفي "المشكاة" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعًا: "خلق الله آدم على صورته، طوله سِتونَ ذراعًا، فلما خلقه قال اذهب فسلِّم على أولئك النفر، وهم نفرٌ من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيُّونَك، فإنها تحيتُك وتحيةُ ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله ... إلخ". وفي رواية الترمذي ثم رجع إلى ربه فقال: "إن هذه تحيتُك وتحيةُ بنيك بينهم"، فجرت السنة في ذريته كما في الحديث وتلك من سنة الله أن يكونَ بعضُ الأفعال من المقربين، ويقع بمكان من القَبُول، ثم يصيرُ لمن بعدَهم شريعة مطلوبة. والأسف كل الأسف أن تلك السنة قد أمِيتَت في بلادنا حتى نقل: أن رجلين من السادات التقيا في الطريق، فانتظرَ كلِّ منهما أن يسلِّمَ عليه الآخر، فمضيا على طريقهما ولم يُوفَّق له واحد منهما. هكذا أفادنا الشيخ رحمه الله تعالى.