٢٧٥ - قوله:(فكبَّر فصلينا معه) ... إلخ واعلم أن في تكبيره صلى الله عليه وسلّم اختلافًا واضطرابًا ذكره أبو داود، فيُعلم من بعض الألفاظ أنه انصرف بعد أن كَبَّر، ومن بعضٍ آخر أنه انصرف قبل أن يكبِّر، فذهب ابن حِبَّان إلى تعدُّد الواقعة، وبعضُهم إلى وَحْدَتِها.
قلت: والذي عندي أنَّ الواقعةَ واحدة وهي كما في البخاري، وفيه تصريح أنه لم يكن كَبَّر كما في باب هل يخرج من المسجد لِعِلَّة:«حتى إذا قام في مصلاه أنتظرنا أن يُكَبِّر»، وعند مسلم في باب متى يقوم الناس للصلاة «حتى إذا قام في مُصَلاة قبل أن يكبِّر ذَكَر فانصرف» وما في أبي داود في بعض ألفاظ «كبَّر» معناه: بلغ موضع التكبير، وكذا أن يكبِّر، وهذا التعبير عام، فإِنهم يُعَبِّرون عن القريب من الشيء بالشيء، وذهب البخاري رحمه الله تعالى إلى أن هذه الواقعة بعد التكبير ثم فرَّع عليه مسألة وهي جواز تقدُّم تحريمة المؤتم على تحريمة الإِمام، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله تعالى في رواية، ووجه التفريع أن النبي صلى الله عليه وسلّم أعاد تحريمته بعد انصرافه، ولا بد لوقوعها في حالة الحَدَث، والظاهر من حال المقتدين أن تحريمتهم السابقة قد اعتُبِرَتْ واعتُدَّ بها، فلزم تقدُّم تحريمتهم على تحريمة الإِمام.
قلت: وأصل النزاع في رابطة القدوة: وَسَّع فيها الشافعية وَوَسَّعَ البخاري أزيد منهم، ولما كانت تلك الرابطة عندهم ضعيفة جدًا تحمَّلوا تلك الاختلافات بأنواعها فيما بين المقتدي وإمامه، فجوَّزوا الاقتداء عند اختلاف الصلاتين ذاتًا وصفةً، ومن هذاالباب تقدُّم التحريمة على تحريمة الإِمام، وعدم سراية فساد صلاة الإِمام إلى صلاة المقتدي، وهذا كلّه لأنهم لم يَرَوْها شديدةً، بخلاف الحنفية، فإِنهم شدَّدوا فيها، ولذا عبّروا عنها بلفظ «التضمن» كما في «الهداية»، فانعكست عندهم التفريعات بأسرها.
فالحاصل: أن مسائل القدوة عند الشافعية على خلاف مسائل التضمن عند الحنفية. ولما اختار المصنِّف رحمه الله تعالى مسائلهم على أوسع وجه، ذهب إلى جواز تقدم التحريمة أيضًا، ولعلك علمتَ مما سبق تمسك الإِمام البخاري إنما ينهض إذا سلَّمنا أنه صلى الله عليه وسلّم كان دخل في الصلاة وفرغ عن التكبير، وأن القوم لم يُعيدوا تحريمتهم، وفي كلا الأمرين نَظَرٌ، أما الأول،