للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والمرادُ منه عندنا الإِناثُ دون الذُّكُور. وفي أثر: «لا يغرنَّكم - سورة النور - فإنها في الإِناث، دون الذكور» (١).

قوله: (كما صَلَّيت على آل إبراهيم) واعلم أنَّ العلماء قد تكلَّموا في هذا التشبيه، فإِن المُشبَّهَ به يجب أن يكون أَقْوى، فيلزم كونُه عليه الصلاة والسلام أَسْبَقَ وأَحقَّ بالصلاة من النبيِّ صلى الله عليه وسلّم والجواب أن فيه اقتباسًا من القرآن، وقد صلَّى الملائكةُ ههنا على إبراهيم عليه السلام بتلك الصيغةِ، فاقتبسه الحديثُ منه، قال تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (٢) [هود: ٧٣].

١٠ - باب قَوْلِهِ: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: ٦٩]

٤٧٩٩ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلَاسٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩)} طرفاه ٢٧٨، ٣٤٠٤ تحفة ١٢٢٤٢، ١٤٤٨٠، ١٢٣٠٢ - ١٥٢/ ٦


(١) قلتُ: روى معناه ابنُ أبي شيبة في "مصنفه" عن سعيد بن المسيّب، وحديث عبد الأعلى عن الحسن أنه كَرِه أن يدخل المملوكُ على مولاتِه بغير إِذنها. إلا أنه يُشْكل عليه أنه لا فائدة إذن في الاستثناء، لظهور عدم الحجاب من النساء والحل أن الحجاب مع النساء الكافرات، كالحجاب من الأجانب في شرعنا، فيجب الستر عنهن أيضًا، إلا ما ظهر منها. هكذا أفاده بعضُ أفاضل العصر، ثُم رأيت في مذكرة عن الشيخ عندي: أَنَّ الوَجْه والكَفّين لما لم تكن من العورةِ على المذهب، فلا بأس بِكَشْفها عند عبدها أيضًا، فلا حاجةَ إلى حَمْل الآيةِ على الإِناث، فلتكن في الذكور، ولا إِشكال، فإن قلت: وإذ جاز كشف هذه الأعضاء مطلقًا، فما معنى التخصيص والاستثناء؟ قلتُ: ومَن ادَّعى أن القرآن رغبهن في كشفها، ولكن السياق في إبداء الزينة عند مَنْ يُباح له ضرورةً، أما من لا ضرورةَ فيهم، فالسنة فيهم كما ذكرها في آية أخرى، وهي إدناء الجلباب، لأن ذلك أستر لها، وإن جاز لها كشفها أيضًا، إلا أنه لما كان قد ينجر إلى الفتن، حرض القرآن بسترها في عامة الأحوال، وهو معنى قوله: إذا كان عند مكاتب أحدكن، وفاء فلتحتجب، فإنه لم تبق لها حاجة إلى رفع الحجاب منه، فعادت السنة فيه كما في الأجانب. وإنما قلتُ: إنَّ كشف الوَجْه جائز لولا الفتنةُ، لحديث فضل بن عباس، وشابة في الحج، فصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - وَجْهَه عنها، وقال: خشيت أن يقع بينهما الشيطان، فافهم، وتشكرْ، فإن ذلك من نفائس الشيخ، استفدته من كلماته الطيبة.
(٢) وسمعت من حضرة الشيخ رحمه الله نكتة أُخرى، وهي أنها جوابٌ عن سلامِه الذي أرسل إلينا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج، وأنَّ الجنة قيعان، وغراسها سُبحان الله، فنصلِّي عليه لذلك. قلتُ: وهناك نكاتٌ أخرى ذكرها القومُ: منها أن معنى التشبيه أنه تقدمت منك الصلاةُ على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فنسأل منك الصلاة على محمد، وعلى آل محمد، بطريق الأولى، لأن الذي يثبت للفاضل، يثبت للأَفْضل بالطريق الأوْلى، ومحصل الجواب أن التشبيهَ ليس من باب إلحاقِ الكامل بالأكمل، بل من باب التهييج ونحوه، أو مِن باب حالِ ما لا يُعرف بما يُعْرف، فلا يلزم أن يكون المُشبَّهُ به أقْوى، وقد ذكرنا جوابًا للعيني، فيما مر، فراجعه من "الهامش".

<<  <  ج: ص:  >  >>