ومنكم أمير، فيكون لكل قبيلة أمير، وتؤدي الزكاة إليه، وهذه بغاوة لا ارتداد. فالصواب أنه لم يرتدَّ منهم إلا بعضُ من لحق بمُسيلِمة، وإنما أجمل فيه الراوي، لأن محطَّ كلامِهِ، بيان ما جرى بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لا بيان تفاصيلهم، فلفَّه في قوله:«كفر من كفر».
ثم حاصل مناظرتهم على ما نصحَّحها القوم أن عمر رضي الله عنه حمل قوله صلى الله عليه وسلّم «حتى يقولوا لا إله إلا الله على العموم، فلا يجوزُ قتال من قال ذلك كائنًا من كان، وفهمَ أبو بكر رضي الله عنه أن الامتناعَ عن أداءِ الزكاة أيضًا يُحلُّ القتلَ، لقياس جامعٍ بين الامتناع عن الزكاة، والامتناعِ عن الشهادة.
وملحظهما عندي أرفعُ من مصطلحات الفِقه، وقد مرّ منه شيء، والتفصيل في رسالتي «إكفار الملحدين في شيء من ضروريات الدين». ثم إن تأخُّرَ عمر رضي الله عنه لم يكن لعدم تنقيحِ مناط التكفير عنده، كيف وقوله:«من فرق بين الصلاة والزكَاة» يدل صراحةً على أن تركَ الصلاة كان من مُوجبات القَتْل عندهما بالاتفاق، فإن إكفارَ مَنْ أنكر ضروريات الدين من ضروريات الدين، وليس معنى قول عمر رضي الله عنه:«حتى يقولوا: لا إله إلا الله»: إن السيف يرفعُ عنهم بعد تلك الكلمة، وإن أنكروا شيئًا من ضروريات الدِّين، وهل يقوله إلا مصاب، فكيف بعمر رضي الله عنه!
ولكنه كان لمَا أشرنا إليه من قبل، فتذكره:«لو منعوني عَنَاقًا» قيل: إنه لا يؤخذُ في باب الزكاة إلا الثَّنيّ، فما معنى قوله:«عناقًا»؟ فإنه اسم لما أتى عليه أربعة أشهر، نعم يضم عند تكميل النصاب، فقيل في جوابه: إن «لو» ههنا للفرض. وقيل: إن الكبار إذا ماتت قبل حَوَلان الحول، وبقيت الصغار، ففيها ثلاث روايات عن إمامنا: الأولى: سقوط الزكاة عنها، والثانية: الأخذ بواحد منها، وحينئذٍ صح أخذ العَنَاق أيضًا، والثالثة: أنه يجب عليه الثَّنِيّ، ويؤديه بعد الشراء. ثم في بعض الألفاظ:«لو منعوني عقَالا». بدل:«العَنَاق». فقيل: هو على المبالغة. وقيل: كان من عاداتهم أنهم إذا أَعطُوا السِّنَّ الواجب أعطوا معه حَبَلَه أيضًا. فإِعطاء العِقَال، وإن لم يذكر في الفقه، إلا أن عُرْفَهم كان كذلك. وقيل: العِقَال: اسم لزكاة السَّنَة. وقيل: يُطلق العِقَالُ على العُرُوض أيضًا، فهو مقابل للنقد:
*أَتانا أبو الخَطَّابِ يضرِبُ طَبْلَه ... وَرُدّ ولم يأخذ عِقَالا ولا نَقْدًا