(وقال ابن عباس رضي الله عنه) ... إلخ قال الحافظُ رحمه الله تعالى: أَشَارَ به البخاري إلى أَنَّ العلَّةَ العظمى في النَّهي احترامُ القِبْلَةِ لا مجرد التأذي بالبُزَاق، فإِنَّه وإنْ كان عِلَّةً أيضًا لكِنْ احترامُ القِبْلَة فيه آكد، فلهذها لم يُفَرَّق فيه بين رَطْبٍ ويابس بخلاف ما عِلَّةُ النِّهي فيه مُجَرد الاستقذار فلا يَضُرُّ وطء اليابس منه. انتهى.
قوله: (القَذَر) وهو ما يَسْتَقْذره الإنسان طبعًا فهو أعمُّ من النَّجَاسَةِ وغيرها، ثمَّ إِنَّه لا تُغْسَلُ اليدُ بمسِّ النَّجَاسَةِ اليابسةِ عندنا.
وبيان المناسبة بين الأَثَرِ والترجمةِ عندي: أنَّ البُصَاقَ إذا كان رَطْبًا فاغسله وإلا فلا بَأْسَ به لأَنَّه طاهر، وإِنْ كان نجسًا فكذلك أيضًا، فإنَّ بعضَ السَّلَفِ ذهبوا إلى نجاستِهِ كما مر.
٣٩ - باب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ
٤١٧ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - رَأَى نُخَامَةً فِى الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُئِىَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ - أَوْ رُئِىَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ - وَقَالَ «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِى صَلَاتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِى رَبَّهُ - أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ - فَلَا يَبْزُقَنَّ فِى قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ، وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ «أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا». أطرافه ٢٤١، ٤٠٥، ٤١٢، ٤١٣، ٥٣١، ٥٣٢، ٨٢٢، ١٢١٤ - تحفة ٦٦٥ - ١١٤/ ١
وليس فيه عِنْدَهُ حديثٌ على شرطه بل حديثه عند أبي داود ومُسْلِم، ولَكِنْ مِنْ دَأْبِ المصنِّف رحمه الله تعالى أَنَّه إذا أَرَادَ أَنْ يُفيدَ بمسألةٍ لا يكونُ لها حديثٌ عنده وَلَكنَّه يكونُ في الخارج يُتَرْجِمُ بها، وَيَسْتَدِلُ عليها بحديثٍ واردٍ في الباب بِأَدْنَى مناسبةٍ، ويكونُ نَظَرُهُ إلى هذا الحديثِ الذي وَرَدَ فيه صراحةٍ في الخارج.
٤٠ - باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِى إِتْمَامِ الصَّلَاةِ، وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ
٤١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِى هَا هُنَا فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ، إِنِّى لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِى». طرفه ٧٤١ - تحفة ١٣٨٢١
واعلم أَنَّ مِنْ دَأْبِ المصنِّف رحمه الله تعالى أَنَّه إذا أَخْرَجَ حديثًا مِنْ نوعِ سِلْسِلَةٍ ثمَّ يجِد فيه مسألةً أخرى من غَيْرِ هذه السِلْسِلَةِ يُتَرْجِمُ بها أيضًا في هذه الترجمة بعينها، فتختلَّ الترجمة بحسب الظَّاهر لاشتمالها على حُكْمٍ لا يتعلق بتلك السِلْسِلَةِ - وأُسَمِّيهِ إنجارًا - لأنَّه يُريد أَنْ يفرغ عنها في تَرْجَمةٍ واحدةٍ، فيترجم بها اختصارًا، وإنْ لم يكن مِنْ هذا الباب.
قوله: (خُشُوعُكُمْ) قيل: الخُشُوعَ في الجوارِح، والخُضُوعُ في القلب. قلت: بل الخُشُوع أيضًا في القَلْبِ أيضًا، قال تعالى: {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: ١٦]. وكذلك في الأَصْوَاتِ قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ} [طه: ١٠٨]. وَنَسَبَه إلى الجمادات أيضًا {وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الاْرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت: ٣٩] فالمناسب فيه استقراءُ القرآن.