وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢٧١].
بحث العلماءُ في المفاضلة بين صدقةِ العلانية والسر، وكذا في الجهر بالقرآن والإِسرار به. وفي الفقه أن الأفضل في الزكاة والفرائض أن يجهرَ بها، وفي النافلة أن يسر بها. قلتُ: ليس لها ضابط كليُّ، والأقرب أن يقسم على الحالات، فتارة كذا، وتارة كذا، «حتى لا تعلم شماله»، وعند مسلم:«حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»، وهو قلبٌ من الراوي قطعًا.
١٥ - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِىٍّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ
وهو معتبر عندنا أيضًا بشرطِ التَّحري. وتمسك له البخاري رحمه الله بقصة رجلٍ من بني إسرائيل، وهذا طريقه فيما قصها الله علينا من أمورهم، كما في «الحسامى»، أن شرائعَ مَنْ قبلنا حجةٌ، بشرط عدم النَّسخ، بل طريقة تمسُّكه أوسع منه، فيتمسك بالعمومات والإِطلاقات كثيرًا، بل لا بأس عنده من التمسك بالوجوه الفاسد المذكورة في كتب الأصول. ثم إن مسألة الحنفية في الزكاة، ولا يعلم ههنا أنها كانت زكاةً أو صدقةً نافلة، والمصنف رحمه الله لرفعه محله لا يُبالي بهذه الأمور، فيتمسك بالنافلةِ للفرض، وبالعكس، لما علمت أن طريق الاستدلال عنده أوسعُ من الكل.