الشَّامي. أما قوله تعالى:{وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة: ٣٥]، فذلك. وان اقتضى ابتغاءَ واسطة، لكن لا حُجَّة فيه على التوسُّلِ المعروف بالأسماء فقط. وذهب ابنُ تيميةُ إلى تحريمه؛ وأجازه صاحبُ «الدر المختار»، ولكن لم يأت بِنَقُلٍ عن السَّلَف.
٧٧ - باب لَا يَقُولُ فُلَانٌ شَهِيدٌ
وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِى سَبِيلِهِ».
٢٨٩٨ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَاّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا صَاحِبُهُ. قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ «وَمَا ذَاكَ». قَالَ الرَّجُلُ الَّذِى ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ. فَخَرَجْتُ فِى طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِى الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». أطرافه ٤٢٠٢، ٤٢٠٧، ٦٤٩٣، ٦٦٠٧ - تحفة ٤٧٨٠ - ٤٥/ ٤
٢٨٩٨ - قوله:(ما أَجْزَأَ مِنَّا اليومَ أَحَدٌ كما أَجْزَأَ فُلانٌ) وليجعله نظيرًا لقوله صلى الله عليه وسلّم «لا تُجزىءُ صلاةُ مَنْ لم يقرأ بفاتحةِ الكتاب، عند الدارقطني؛ فإِنَّ الشافعية زعموه أنه لا يمكُنُ حَمْلُه على نَفي الكمال، لأنَّ النَّفْي فيه نَفْيُ الإِجزاء، أي نفي الكفاية، فلا يَصِحّ حَمْلُه على الكفاية، مع نَفْي الكمال. قلت: لم لا يجوز أن يكون المرادُ نَفْي الإِجزاء، نَفْي كمالٍ الإِجزاء، كما في اللفظ المذكور؟ وكان مولانا شيخُ الهند يتبسَّم عند هذا اللفظ إشارةٍ إلى ما قلنا. وفي طُرُق هذا الحديث: «إن الله ليؤيِّدُ دِينَه بالرَّجْل الفاجر»، معناه أن ذلك من عجائب قدرته، وغرائب سلطانه، حيث يؤيِّدُ دينه بالرجل الفاجر، لا أَنَّ فيه مَدْحًا له؛ ولدا أسند التأييدَ إلى نَفْسه، كأنه لا يكون من نِيَّةِ هذا الفاجرِ أن يُؤيِّدَه، ولكنَّ الله سبحانه يُؤيِّدُ به دِينَه، ويجعله واسطةً له.