للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قُلْتَ: كيف وأنه قد جَزَمَ بعدم القضاء في صدر الصفحة قال أبو جعفر (١) - وهو ورَّاق البخاري: سألتُ أبا عبد الله البخاري، إذا أفطر يُكَفِّرُ مثل المكورة؟ قال: لا، أَلا ترى الأحاديث: لم يَقْضِهِ، وإن صام الدهرَ اهـ.

قلتُ: لا تنافي بين عدم الجَزْمِ باعتبار وجوب القضاء وعدمه، وبين الجَزْمِ بعدم إنابته مناب صوم رمضان باعتبار الثواب.

ومُحَصَّلُ الكلام: أن مرادَ البخاريِّ لا يتقرَّرُ إلا بعد الإِمعان في أمور: الأول: أن الكفَّارة عنده تعزيرٌ، وأنها ليست إلا بالجِمَاعِ، وأنه لم يَحْكُمْ بشيءٍ من إيجاب القضاء وعدمه (٢).

٣٠ - بابٌ إِذَا جَامَعَ فِى رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ، فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ

واعلم أن الترتيبَ في الكفَّارة بين الإِعتاق، والصوم، والإِطعامُ واجبٌ عند الجمهور، وهو نصُّ الحديث. إلا أن مالكًا تفرَّد (٣) فيه، وقال بالتخيير، والظاهرُ أنه مذهبٌ مرجوحٌ. ويمكن العُذْرُ لمالك أن يكونَ الترتيبُ المذكورُ عنده محمولا على الذكر فقط، فلا يَجِبُ في الحكم. مع أن الحديثَ وَرَدَ عند الطحاويِّ، وغيرِه بحرف التخيير أيضًا، عن أبي هُرَيْرَة: «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أمره أن يكفِّرَ بعِتْقِ رقبةٍ، أو صيامِ شهرين متتابعين، أو إطعام سِتين مسكينًا». اهـ.

١٩٣٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ «مَا لَكَ». قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا». قَالَ لَا. قَالَ «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». قَالَ لَا. فَقَالَ «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ لَا.


(١) قلتُ: والعبارةُ المذكورةُ من سؤال ورَّاق البخاريِّ عندنا في النسخة الأحمدية من باب اغتسال الصائم، ولا مناسبة لها بالحديث الذي أخرج بعده، وليست تلك في النسخة اليُونِينِية من "القَسْطَلَّاني"، وهي أصحُّ النُّسَخ، فلا اضْطِرَاب.
(٢) قلت: وما مرَّ من قبل: أن لا قضاءَ عند المصنِّف بإفساد صوم رمضان بالجِمَاع. فهذا أيضًا ممكنٌ، حيث نَفَاهُ صراحةً في جواب الورَّاق. وإنما حدث التردُّد في مراده، لنَقْلِهِ آثارًا متعارضةً، فإن شِئْتَ، قُلْتَ: إنه لا قضاءَ عنده في الصورة المذكورة. وإن شِئْتَ قُلْتُ: إنه متردِّدٌ في إيجاب القضاء، والله تعالى أعلم. وإنما ذَكَرْتُ مراد الشيخ فَهْمًا مني، وإلَّا فمُذَكِّرَتي كانت مشكوكةً لا آمَنُ فيها الخطأ.
(٣) قال ابن العربيِّ: رواه مالك في "الموطأ"، عن أبي هُرَيْرَة: "أن رجلًا أفْطَرَ في رمضان، فأمره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يَعتِقَ، أو يُكَفِّرَ بصيام شهرين مُتَتَابِعَين، أو يُطعِمَ". وتابعه عليه جماعةٌ، واختلف علماؤنا فيه. والصحيحُ في الرواية عن مالك في التخيير: والظاهرُ التخييرُ. والصحيحُ في الدليل الترتيبُ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رتَّب له، ونقله من أمرٍ بعد عَدَمِهِ، وتَعَذُّر استطاعته إلى غيره، فلا يكون فيه تخيبرٌ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>