حمل المصنِّف قوله:«في سبيل الله» على الجهاد، ولذا فَسَّره أبو يوسف ومحمد في «باب الزكاة» بمنقطِع الغزاة.
قلت: والظاهر أنه عالمٌ لجميع سُبُل الخيرِ، كما يدلُّ عليه ما أخرجه الترمذيُّ في «باب من أغبرت قدماه في سبيل الله» عن يزيد بن أبي مَرْيم، قال: لِحَقَني عبايةُ بن رِفاعة بن رافع، وأنا ماشٍ إلى الجُمعة، فقال: أَبْشِر، فإِنَّ خُطاك هذه في سبيل الله؛ سمعت أبا عيش يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم «مَنِ اغبرت قَدَماه في سبيلِ الله، فهما حَرَامٌ عى النَّار» اهـ. فهذا صريحٌ أن هذا اللفظ كان عامَّا عند الصحابَيَّنِ المذكورَين، ولذا حملاه على المَشْي إلى الجُمعة أيضًا، إلا أن الترمذيَّ أخرجه من «باب الجهاد» فَيوه٢ أنه أَخَذَه في الجهاد، كالمصنِّف، فله إطلاقانِ: عامٌ، وخاصٌ، والذي يناسِب في نحو هذا الحديث هو الإِطلاقُ العام، ولعل المصنِّف حمل على أنه اشتُهر في الجهاد عُرْفًا.
[حكاية]
نُقِل أن السُّلْطان بَايزِيدخان يلدرن غزا ثئنتين وسبعين غزوةً، كلّها على أوروبا، وكان يَلْبَس في كلَّها قباءً واحدًا، ولا يبدّلُه، وكان إذا أفرغ منها يجمع ما وقع عليها من الغُبار في حقه، فإِذا أشرف على الموت، أوصى النَّاس، أن يدفنوها في قبره.
١٧ - باب مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ النَّاسِ فِى السَّبِيلِ