ونقل العَيْنِي أَنَّ ابن دِحْية المغربي - وهو مِنْ حُفَّاظ الحديث - أفتى بِقَصْرِ المَغْرِب أيضًا ولم يذهب إليه أَحَدٌ. وقد كَشَفَت عن مَنْشَأَ غَلَطه في رسالتي «كشف الستر» من أَواخرها، وخلاصته: أن منشأه ما رُوي عن أبي موسى الأشعري - كما في الهامش - أنه سَلَّم في الْمَغْرِب بين شَفْع المغرب وركعتها. فأخرجه الهَيْثَمي في سجود السهو، وأشار إلى أنه سَبَق منه التسليمُ سهوًا، لا أنه كان بناءً على القَصْر في الْمَغْرِب. وهذا هو منشأ غَلَط ابن دِحْية، وهو كثيرُ الغرائب فاعلمه.
١٠٩٢ - قوله:(وأَخَّر ابنُ عُمَر الْمَغْرِب، وكان استُصْرِخَ على امرأَتِهِ) ... إلخ. واختلف الرواة في بيان تأخيره تلك الليلة: ففي بعض الروايات أنه نزل بعد غيبوبة الشَّفق. وجمع بين المغرب والعشاء. وفي بَعْضٍ أَنَّه أَخَّرَ الْمَغْرِب إلى رُبُع الليل.
والصواب عندي أنه واقعةٌ واحدة، وهي على وجهها عند أبي داود وفيه:«حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نَزَل فَصلَّى المغربَ، ثم انتظر حتى غاب الشَّفَقُ فَصَلَّى العشاءَ، ثم قال: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم كان إذا عَجِل به أَمْرٌ صَنَع مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتُ». اهـ. وحَمَله الحافظ رحمه الله تعالى على تَعَدُّد الواقعة، وهو بعيدٌ عندي، بل هو واقعةٌ واحدةٌ اختلف فيها الرواةُ من حيث المبالغةُ في بيانِ التأخيرِ والجمع فيها على عين مذهب الحنفية رحمهم الله تعالى. وفيها تفسيرٌ لِجَمْع النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أيضًا أنه كيف كان. وما يدلُّك على أنها واقعةٌ واحدةٌ ما عند أبي داود، ولم يُرَ ابنُ عمرَ رضي الله تعالى عنه جَمَع بينهما إلا تلك الليلة، يعني ليلة اسْتُصْرِخَ على صفيةَ رضي الله