٦٠٩ - قوله:(فارفع صوتك): يُشِيرُ إلى دَفْعِ توهُّم أنه لا حاجةَ إلى رفع الصوت في الصَّحَارِي، فعند مالك رحمه الله تعالى في «موطئه»: «من أذَّن في البادية، ثم أقام وصلَّى، يُصَلِّي خلفه الملائكةُ كأمثال الجبال» - بالمعنى - وعند أبي داود في باب فضل المشي إلى الصلاة، عن أبي سعد الخُدْرِي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «الصلاةُ في جماعةٍ تَعْدِلُ خمسًا وعشرين صلاةً، فإذا صلاها في فلاةٍ، فأتمَّ ركوعها وسجودَها بَلَغَتْ خمسين صلاةً». انتهى.
واعلم أن فضيلةَ الجماعة أمرٌ مستمرٌّ، بخلاف الصلاة في الفلاة، فإنه قد يتَّفقُ له، فراعِ هذين البابين، فتركُ الجماعة عمدًا والذهابُ إلى الصلاةِ في الفلاة لتحصيل أجر الخمسين سَفَهٌ وحُمْقٌ، فإنك إن فعلته عمدًا يَفُوتُ عنك ثوابُ الجماعة أيضًا، وإن اتفق لك تُحْرِز ما وَعَدَ لك.
٦ - باب مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ
٦١٠ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِى طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِى لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَ فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». طرفه ٣٧١ تحفة ٥٨١ - ١٥٩/ ١
والإسلام عندنا كما يكون بقول: لا إله إلا الله، كذلك يكون بالفعل أيضًا، فلو رَأَى كافرًا يؤذِّن يَحْكُم عليه بالإِسْلام، كما لو رآه يُصَلِّي (المكتل) زنبيل (توكرا) مسحات (كدال)(خَرِبَتْ خَيْبر). وفي الصحيح:«أنه رَفَع يديه أيضًا»، وظني أن رَفْعَه يكونُ كما في التحريمة، لا كما في الدعاء، وحينئذٍ يكونُ عند التكبير. ويُسْتَفَادُ منه: أن الرفعَ شِعارٌ للتكبير. ولعلَّه تكبيرٌ فعليٌّ كما فَهِمَه الشافعيُّ رحمه الله تعالى، وفَهِمَ الحنفية أنه للاستقبال، وإن كان كما في الدعاء. فينبغي أن يكون عند قوله:«خَرِبَتْ خَيْبر»، لأنه دعاءٌ عليهم، لا عند التكبير. وراجِع تفصيله من رسالتي «نيل الفرقدين في رفع اليدين»، فلقد أَطْنَبْتُ الكلامَ فيه في فصلٍ مستقلٍ.
٦١٠ - قوله:(وإنَّ قَدَمي لَتَمَسُّ قَدمَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم)، مع أنه قد مرَّ منه من قبل لفظ:«الفَخِذِ»، وقد بَحَثْتُهُ هناك مستوفيًا، فَرَاجِعْهُ.
٧ - باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِى
٦١١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ». تحفة ٤١٥٠