ولعل المصنِّفَ أشار إلى الفرق بين الحرمين، كما قلنا، ولذا أخرج قطعَ النَّخْل بعد النهي عن قطع الشجر، ليدل على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم إنما أمر بقطعِ النخل لمكان الضرورة، فهو جائزٌ إذا دَعَته حاجةٌ ولا جزاء. وإذن لا يكون معنى النهي إلا أن يذهبَ القطعُ بزينة الحرم. ولو كان النهي لمعنى الحرمِ لاستوى الأمر في الحاجة وغيرها. ألا ترى أنه لا يجوزُ قطع شجر الحرم لأجل الضرورة أيضًا، ومن قطعه وجبَ عليه الجزاءُ، ولا كذلك حرمُ المدينة، فالنهي فيه لمعنى الزينة إن شاء الله تعالى.
١٨٧٠ - قوله:(ما بين عائر إلى كذا)، وفي لفظ:«عير، وإلى كذا» أي إلى ثَوْر. قال صاحب «القاموس»: إن ثور جبلٌ بمكة، فكنت متحيرًا فيه، إذ دلني أعرابي أنه جبلٌ خلف أحد بالمدينة أيضًا.
قوله:(من أحدث فيها حدثًا) ... إلخ، أي الجبايات التي تجبي إلى الإِمام، وهي المحاصيل، على نحو قوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} ... الآية، وفسر الإِلحاد بالظلم. وأما قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا}، فالمراد من الإِلحاد في الأسماء، إبقاءُ الألفاظ بحالها مع التحريف في معانيها، وحقائقها، كما يفعله القادياني الشقي اللعين.
قوله:(لا يقبل منه صرف ولا عدل) قيل في تفسيره: فريضةٌ ولا نافلةٌ. وقيل: نقدٌ ولا عَرَضٌ، والأول أشهر. وعندي هو محاورةٌ لا تنكشِفُ حقيقتُها ما لم يراجع إلى كلام الجاهلية.
٢ - باب فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهَا تَنْفِى النَّاسَ
١٨٧١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى يَقُولُونَ يَثْرِبُ. وَهْىَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِى النَّاسَ كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». تحفة ١٣٣٨٠