للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هو العمدةُ والأُسوةُ في هذا الباب، فإنه أحرَمَ بإِحرام النبي صلى الله عليه وسلّم وصاحبه، ورافقه في حَجِّه، فلم يكنْ ليتركَ ما فعَلَه النبي صلى الله عليه وسلّم أو يفعلَ ما لم يفعله صلى الله عليه وسلّم ثم لما كان من مذهبه ما قد علمت، علم أنه لا بُدَّ أن يكون عنده أُسوة من النبي صلى الله عليه وسلّم أو عهد به، فإنَّه إنما تعلَّمَ ما تعلَّم منه، وطاف على طوافه. والحافظ أيضًا أقرَّ بكون أسانيدها صالحة للاحتجاج. ولإِثبات تعدّدِ السعي طريقٌ آخر سَلَكَه العلامة القاضي. ثناء الله الفاني فتى في «تفسيره»، وقد ذكرناه في درس الترمذي (١).

٧٨ - باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ

١٦٤١ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِىِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ قَدْ حَجَّ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ - رضى الله عنها - أَنَّهُ أَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً، ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ


= (*) ثلاث قطعات من عبارة حضرة الشيخ إمام العصر، كانت مكتوبةٌ على هامش الأصل من غير تعيينٍ لمواضعها فأدرجتها في الأصل بما سنح لي من المواضع الملائمة لها. وتعيينُ مواضعها باليقين، كان منوطًا بالمراجعةِ إلى ما أحالَ عليه الشيخ، وأنى يتحملُ وقتنا ذلك، وجعلت هذه العبارة المدرجة كل منها بين الخطين -أي حاصرتين-. ويا ليت لو أغنانا فضيلة الجامع عن ذلك؟! (المصحح).
(**) هكذا في الأصل المنقول من مذكرة الشيخ رحمه الله، وههنا سقط، كما لا يخفى. (المصحح).
(١) قلت: وقد ذكر الشيخ ما يتعلق به، ويُوضِحُه زيادة توضيح في باب الزيارة يوم النحر، فأنا آتيك به، ليكون الكلام عندك في موضع واحد. قال: إن الرواة اختلفوا في تعيين مصداق لفظ ابن عمر، فجعله بعضهم طواف القدوم -كما مر- وبعضهم طواف الزيارة، ولا حجة لهم فيه، ما لم يترجح أحدهما، ولنا أن نقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن طاف لهما طوافين، إلا أنهما لم يكونا متميزين، أن أيهما للحج، وأيهما للعمرة، وذلك لعدم تخللِ الحِلِّ بينهما، فعبَّر عنه الراوي هكذا، كأنه طاف لهما طوافًا واحدًا، أي لكل واحد منهما طوافًا طوافًا، ولكنه جعل الواحدَ عن الاثنين في العبارة، لعدم تمييزهما عنده في الحِسِّ. وبعبارة أخرى: إن طوافَه الواحدَ كان عن الحج والعمرة، لعدم التمييز لا لعدم التعدد، فإن شئتَ اعتبرتَه عن الحج اعتبرت، وإن شئت أن تجعلَه عن العمرة جعلت.
والحاصل: أنه طاف لهما ضربةٌ واحدة طوافًا. ونُوضِحُ لك مزيد الإِيضاح: أن الذين أهلوا بالعمرة، ثم بالحج، وأحلوا في الوسط كان طوافُهم للعمرة متميزًا عن طوافهم للحج، لتخلل الحِلِّ في البين، فصح أن تقول: إن هذا للعمرة، وهذا للحج، ولا يصحُّ فيهم أن تقول: طافوا طوافًا واحدًا، كيف! وقد طافوا طوافين حِسًّا، بخلاف القَارِنين، فإنهم أهلوا للحج والعمرة معًا، ثم دخلوا في الأفعال، ولم يُحلوا حتى طافوا طواف الزيارة، فلم يتميز طوافُهم للحج عن طوافهم للعمرة، وإذا لم يتميز أحدهما عن الآخر في الحِس، عبَّر عنه الراوي بالطواف الواحد، فهم فهموا أنه طاف لهما طوافًا واحدًا حقيقة، ونحن فهمنا أنه طاف لكل منهما طوافًا، إلا أنه عبَّر الراوي عنه كذلك، لعدم التمييز حِسًّا، وبعبارة أخرى هم جعلوا الطواف الواحدَ مسألةً، ونحن جعلناه تعبيرًا، لما ثبتَ عندنا تعدُّد الأطوفة من الخارج عن القارنين.
وبالجملة: إن الواحدَ عندنا في مقابلة الثاني، والمعنى أنه طاف للحج طوافًا واحدًا، ولم يطف له ثانيًا. وكذلك للعمرة فطاف لها واحدًا، ولم يطف لها ثانيًا، فثبت أنه طاف لهما طوافًا واحدًا بهذا المعنى أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>