للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تِبْنًا وماءً باردًا، واختار العلامة فيه التضمين، في «حاشية الكشاف» وأنكر عليه ابن كمال باشا، وقال: إنه وَهْمٌ توهم من عبارة «الكشاف».

والمعنى عندي: الذين جعلوا الإيمان مبوأهم، ومقعدهم، كأن الإيمان أحاط بهم، وهؤلاء قاعدون فيه، كقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)} [القمر: ٥٤ - ٥٥] فالإيمان ظَرْفٌ، وهؤلاء مَظْرُوفُون، وهو كناية عن كمال دينهم، وفيه ترغيب للمهاجرين بحبهم، ولذا جعله الحديث من علامة الإيمان وفيه تنبيه على أن حب أهل ورد الرجل، والخلص من أحبائه، أيضًا ضروري وإن كانوا أجانب، فإن حبَّ أقاربِ النبي صلى الله عليه وسلّم مما فُطِرَ عليه كل مسلم، يعلمه من فطرَتِهِ، أما حبُّ الأنصار الذين فدَوْه من أموالهم وأنفسهم، لكونهم أجانب قد يَذَهَل الذهنُ عن حبهم، فنبَّه على أن حبَّهم أيضًا من علامات الإيمان، لكونهم حَلُّوا منه محلَّ أهلِ البيت من الرجل، وفي الحديث: «من بر الولد إكرام أهل ولد أبيه» (بالمعنى).

[١١ - باب]

١٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ «بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِى الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. أطرافه ٣٨٩٢، ٣٨٩٣، ٣٩٩٩، ٤٨٩٤، ٦٧٨٤، ٦٨٠١، ٦٨٧٣، ٧٠٥٥، ٧١٩٩، ٧٢١٣، ٧٤٦٨ - تحفة ٥٠٩٤

هذا بابٌ بلا ترجمة، وهو متعلقٌ بالأول، لأنه لما ذكر الأنصار أشار إلى سبب تلقُّبهم بالأنصار، وإنما لم يترجم به لأنه بصدد أمورِ الإيمان: وليس هذا من أمور الإيمان، فوضع الباب وحذف الترجمة، وذكر فيه حديث بيعة العقبة، وفي قوله: «بين أيديهن وأرجلهن» إشكال، ولا يظهرُ وجه التخصيص في حق الرجال. قال الخطابي: معناه لا تبتهوا الناس كفاحًا بعضكم يشاهد بعضًا، كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان، وفيه وجوه أُخَر ذكروها في الشروح {فعوقب في الدنيا فهو كفارة له} استدل به من قال: إن الحدود كفارات.

بحثٌ نفيسٌ في أنَّ الحدودَ كفَّارَاتٌ أم لا؟

وفي هذه المسألة معركة للقوم، ولم يتحقق عندي ما مذهب الحنفية بعد؟ ففي عامة كُتُب الأصول: أنها زواجر عندنا، وسواتر عند الشافعية. وفي «الدر المختار» تصريح بأن الحدود

<<  <  ج: ص:  >  >>