من يؤمنُ في المستقبل، وإنما اضطروا إلى هذه التوجيهات، لأن في ظاهر الآية تكرارًا في قوله:{مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} لما مر ذكره في صدرِ الآية أيضًا. والوجه عندي: أن {مَنْ آمَنَ} الثاني استئناف للكلام السابق، للفصل بينه وبين ما يترتب عليه، فإن قوله:{فلهم آجرهم عند ربهم} مرتبط مع قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} فأعيد بالاستئناف ليظهرَ الترتب. ثم إني رأيت في كُتُبِ أهل الكتاب أن الحنيفَ عندهم لفظ المذمة، والكاهِنُ من ألفاظ المدح، حتى إنهم كانوا يستعملونه في الأنبياء أيضًا، وفي عرفنا بالعكس: الحنيف من أوصاف الأنبياء، والكاهن من أوصاف الكفار. قال صلى الله عليه وسلّم «من أتى كاهنًا وصدقه فقد كفر» أو كما قال، والحاصل: أن المرادَ من الحنيفية الآن هو الملةُ الإبراهيمية، وسيجيء بعض الكلام في باب التيمم.
٣٩ - (لن يشادَّ الدين) ... إلخ أي من أراد أن يعملَ بالعزائم فقط ولا يترخصَّ بالرخصِ، يكون مغلوبًا من الدين، ويَغْلِبُ عليه الدين آخرًا ولا يستطيعُ أن يداومَ عليه، فليعمل بالعزائم والرخص.
(فسددوا وقاربوا) من السداد بالفتح، وهو: القصد. وحاصله عندي: أن اقتصدوا في الأعمال واتركوا التعمق، وترجمته في الهندية (ميانه روى كرو اور بلنديروازى نكرو) فاغتنمه غنيمةً باردةً، فإنه سهلٌ ممتنعٌ، وإن كثيرًا من الناس عن حقيقتِهِ لغافلون، فلا يدركونَ مراد هذين اللفظين.
(واستعينوا بالغدوة) ... إلخ وكان مولانا قطب العالم الشيخ الجنجوهي رحمه الله تعالى يؤوله بالذكر في الغدوة والرَّوْحة وشيء من الدُّلجة، وإن ورد الحديث في الجهاد.
واعلم أن ههنا إشكالين: الأول: أنه لا خفاء في أن العمل بالمنسوخ قبل نزول الناسخ مقبولٌ، فما وجه إشكال الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيمن ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ والجواب: أنه كان أول نُسْخ في الإسلام، كما رُوِي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه فلم يكونوا يعلمون المسألة. والإشكال الثاني على ترجمة المصنف رحمه الله. وحاصله: أنه لم يكن للصحابة تردد في الصلوات التي صُليت إلى بيت الله، إنما كان الترددُ فيما صليت