واعلم أن أداءَ السِّنِّ المُسمَّى في الشرع صحيح بالإِجماع، وإنما الخلافُ في دفع القِيَم، فجاز عندنا الاستبدال بالقيمة، إلا في الهدايا والضحايا، كما في «الكنز»، وذلك لأن المقصودَ ههنا الإِراقة، وذا لا يحصل بالقيمة. وإليه مال البخاري كما صرح به ابن رشيد في تراجمه، والشيخ ناصر الدين بن المُنَيِّر، والحافظ في «الفتح».
قوله:(قال معاذ لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب: خميص، أو لبيس هناوا في الصدقة مكان الشعير والذرة) قال الحافظ: إنه لم يكنْ زكاة: بل كان جِزْية. قلتُ: بل ذِكرُ الشعير والذرة تُشعِرُ بكونها مسألة العُشْر دون الجِزْية، ومسألة العُشْر والزكاة عندنا واحدة. والظاهرُ أنها كانت صدقةُ الفِطْر، ولا بأس بها عند المصنف رحمه الله على ما علمتَ من توسُّعِهِ في الاستدلال، فساغ له أن يتمسك من الاستبدال في صدقة الفِطْر على جَوَازِ الاستبدال في الزكاة أيضًا.
قوله:(وأما خالد فقد احتبس أدراعه) وهذه القِصة طويلة، وفيها وقْفُ المنقولِ، فيُحمل على ما اختارَه محمدٌ: أنه صحيح بشرائطه في الفقه. أو يقال: إنه إرصاد، وهو غير الوقف، ثم الإِرصاد وإن لم يبوِّبوا له، لكنه مذكورٌ في ذيل المسائل، ومعناه حبسُ شيءٍ لمصالح، كالخيل وغيره. ثم ليس فيه ما يدلُ على أنَّ الوقفَ عدَّ من زكاته أولا، بل فيه أن خالدًا ليس عنده شيء تجبُ عليه الزكاة، فلم تطلبون منه الزكاة؟ لا أنه كان وَقَفَ مالَه فاعتد عن زكاته، فإِنها مسألة أخرى، لم يبحث عنها ههنا.
(ولم يستثن) ... إلخ، أي لم يفصل، وجعلها كلها سواءً. ثم إن المصنف أخرج حديثًا يدلُ على الاستبدال صراحةً، ولكنه لا يردُ على الشافعية: فإِنَّهم قالوا: إن هذا الاستبدال جائز لورودِ النص به، وإنما أنكروا في غير ما ورد به النص، فأوجبوا فيه العَين خاصَّةً، ولم يجيزوا بالاستبدال، إلا أن المصنف تمسك به على العموم. ثم إن حديث محمد بن عبد الله هذا عن أبيه، أخْرَجَه المصنفُ، ولم يخرجه مسلم، لأن عبد الله بن المثنى الأنصاري منسوبٌ إلى سوء حِفْظِه، وهو من أخصِّ تلامذة زُفَر، فيمكنُ أن يكونَ قويًا عنده، أو يكون اعتمد على فقاهتِهِ.
١٤٤٨ - قوله:(عشرين درهمًا أو شاتين)، وثبت من تلك المُعادلة أنَّ الحسابَ فيه تقريبي.