بالصلاةِ فيهما على ما في بعض الروايات، إنما هي لأجل تقرير مُخالفتهم، لا لأنها مطلوبة في نفسها.
وعن كعب الأحبار - عند مالك في «موطأه» - أنه عليه الصَّلاة والسَّلام أُمر بالخلع لأن نَعْلَيْه كانتا من جلد حمار ميت. قلتُ: وظاهر القرآن يقتضي أنَّ أَمْرَ الخَلعِ كان تأدُبًا ولذا قَدَّم قوله: {إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ}، ورتب عليه: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}، إشعارًا بسبب الخلع، ولكنه لا يُوجب عدم الجواز، فالجواز باقٍ مع أنَّ التأدُّبَ في الخلع.
وحاصلُ ما قررَهُ الشارع: أنَّ الصلاةَ في النعلين جائزة، سَوَاءٌ كان أمرُ الخلع لِمَا ذَكَرَهُ كعب، أو لِما يرشد إليه ألفاظُ القرآن، وليس كما زَعَمَهُ اليهود من عَدَمِ جَوَازِ الصلاةِ فيهما. وهكذا دأبُ الشريعة في مواضع، فمتى ما غير اليهودُ أمرًا وكانت فيه مَغْلَطَة، تَرِدُ الشريعةُ بإصلاحه، كاشفةً عن حقيقته.
٣٨٦ - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِىُّ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى فِى نَعْلَيْهِ قَالَ نَعَمْ. طرفه ٥٨٥٠ - تحفة ٨٦٦
٣٨٦ - قوله: (قال: نعم) ولا دليلَ فيه أنَّ صلاته تلك كانت في المسجد أو خارجها، فلْيُنْظر فيه أيضًا.
وليُعْلَم أنَّ القرآن قد يُعبرُ القصةَ الواحدةَ بألفاظٍ متغايرة كما فعل ههنا، ففي موضع {إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ} وفي تلك القصة بعينها في موضعٍ آخر {إِنّى أَنَا اللَّهُ} مع أنَّ التحقيقَ عندي أنَّ الآية إذا وردت باسم من أسماء الله تعالى، فالأنسب هو ذلك الاسم بذلك الموضع، ويكون له دَخْلٌ فيه، لا أنه وقع اتفاقًا، لكونه عبارة عن مسمَّى واحد، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)} [المائدة: ٣٨] فالأنسب ههنا هو {عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، ولو قال: والله غفور رحيم، لفات عنه الحُسْن، وتقريره في مَقَامِهِ مشهورٌ، فلا أدري أنَّ النداء كان بقوله: {أَنَاْ رَبُّكَ} كما في موضع أو بقوله: {أَنَا اللَّهُ} كما في موضع آخر.
٢٥ - باب الصَّلَاةِ فِى الْخِفَافِ
٣٨٧ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ فَقَالَ رَأَيْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَنَعَ مِثْلَ هَذَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ، لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ. تحفة ٣٢٣٥
٣٨٨ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ وَضَّأْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى. أطرافه ١٨٢، ٢٠٣، ٢٠٦، ٣٦٣، ٢٩١٨، ٤٤٢١، ٥٧٩٨، ٥٧٩٩ - تحفة ١١٥٢٨
قوله: «خف» موزه وراجع «الكبيري» لمسائله.