إلا: أنَّ استغفارَكَ غيرُ مفيدٍ له، فلم يبحث عن النَّفْعِ الأخروي، فإنه لما أراد أن يُصلِّي عليه اكتفى بِسَعَة الألفاظ فقط، ولم يكن فيها إلا عَدَمُ نَفْع صلاته. فَصَلَّى عليه شفقةً وحِرْصًا حتى نزل صريحُ النَّهْي.
قوله: ({وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ}) [التوبة: ٨٤] ... إلخ. وحينئذٍ صار أَبْعَدَ الناس عن الصلاةِ عليهم. وأين عمرُ رضي الله عنه من النبيّ صلى الله عليه وسلّم فإنه كان نَبيَّهُم وأَوْلَى بأَنفُسِهِم، فأراد أنْ ينتفعَ بالمحتَمِلات، فإنه آخِرُ الحِيَل، لعلَّ اللَّهَ ينفعُهُ بها.
ونظيرُهُ قوله صلى الله عليه وسلّم «مَثَلُ أُمتي كَمَثَلِ المَطَرِ، لا يُدْرَى أوَّلُهَا خيرٌ أم آخِرُهَا». لم يُدْرِك مرادَه نحو أبو عمرو، والتزم أَنَّ غيرَ الصحابي مما يمكن أنْ يكونَ مِثْلَ الصحابي، مع أنه باطلٌ قطعًا، ولم يَحْمِله عليه إلا مُحْتَمل اللفظ، والمَشْي على المُحْتَمَل إنما يليقُ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلّم دونَ غيره. والطِّيبيّ لما كان حاذِقًا في العربية أدرك حقيقةَ المرادِ، وقال إنه نحوُ قوله:
*تَشَابَهَ يومًا بأسُهُ وَنَوَالُهُ ... فما نحن ندري أيُّ يومَيه أَفْضلُ
*أيوم نداه الغُمْر أم يوم بأسه ... وما منهما إلا أَغَرُّ مُحَجّلُ
فهو مِنْ باب تَجَاهُل العارف من صنائع البدائع، لا من باب العقائد والمسائل. والحاصل: أَنَّ أُمَّتِي خَيْرٌ كُلُّهَا.
٢٣ - باب الْكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ
١٢٧١ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كُفِّنَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِى ثَلَاثَةِ أَثْوَابِ سَحُولَ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. أطرافه ١٢٦٤، ١٢٧٢، ١٢٧٣، ١٣٨٧ - تحفة ١٦٩١١
١٢٧٢ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ فِى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ. أطرافه ١٢٦٤، ١٢٧١، ١٢٧٣، ١٣٨٧ - تحفة ١٧٣٠٩
١٢٧١ - قوله: («كُفِّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم» إلى قوله: «لَيْسَ فيها قَمِيْصٌ ولا عِمَامَةٌ») وهو حُجَّةٌ للشافعية رحمهم الله.
قلتُ: وروى أبو داود (١) - بِسَندٍ فيه يزيدُ بنُ زياد - عن ابن عباس رضي الله عنه قال: «كُفِّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ثلاثة أثوابٍ نَجْرَانِيَّة: ثوبانِ وقميصُهُ الذي مات فيه» اهـ. (٣٩٣) - باب: الكفن - ويزيد بن زياد هذا عالمٌ جليلٌ القَدْر، كما أقَرَّ به الذَّهْبِيّ. وقد حَسَّن الترمذيُّ حَدِيْثَه في باب: الذي
(١) قلت: وكذا عند مالك في "الموطأ" في باب ما جاء في دَفْن الميت في حديثِ طويل، فلما كان عِنْد غَسْله أرادوا نَزْع قمِيصه فسمعوا صوتًا يقول: لا تنزعوا القميصَ فلم ينزع القميص وغُسِّل وهو عليه - صلى الله عليه وسلم -. ونحوه عند أبي داود أيضًا. قلت: إن ثبت بعد ذلك نَزْعه فذلك، وإلا فثبت كونُ القميص في كَفنه - صلى الله عليه وسلم - من هذا الطريق أَيضًا. ولا بُعْد في كونه أَصابه الماء، لأنه دُفن ليلةَ الأربعاء، فاليبس في تلك المدة ظاهرٌ. ثم وجدت أنه رُوي فيه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه. فللهِ الحمد، كما في الهامش الآتي عن ابن العربي وسيأتي.