كلَّها حُسْنَى، والذاتَ واحدةٌ. وذَهَبَ بعضُ النحاة إلى أن «الرحمن» أيضًا من أسماء الذات. وأَظُنُّ أنه لا بُعْدَ في أن تكونَ الرحمةُ من الصفات الذاتية، لا من صفات الأفعال. فإن قلتَ: إن لها ضِدًّا، وهو الغضبُ، وكلاهما من صفات الرَّبِّ جلَّ مجده، فيكون من صفات الأفعال لا محالة. قلتُ: جاز أن يكونَ الغضبُ في مرتبة الأفعال، ولا يكون للصفة شيءٌ يقابلها. وحينئذٍ خَرَجَ شرحٌ آخر لقوله صلى الله عليه وسلّم «سَبَقَتْ رحمتي غضبي»، بمعنى أن الرحمةَ لم يُوجَدْ لها ضِدٌّ، وصفاتِ الأفعال لها أضدادٌ. وقد تكلَّمنا على الحديث، فيما مرَّ مبسوطًا، فتذكَّرْهُ.
ولم يَقُلْ: فلا يَظْهَرُ غَيْبَهُ على أحدٍ، لأن الغيبَ خِزَانةٌ، ولا يريد اللهُ سبحانه أن يطَّلِعَ أحدٌ على غيبه. ومن ههنا جاء هذا التعبير. قال الزمخشريُّ: إن اللَّهَ سبحانه أخبر بعدم إظهار غيبه إلَّا ما كان بالوحي، فانتفى الشكفُ، ولم يَبْقَ منه شيءٌ. قلتُ: إن الاستئناءَ منقطعٌ، والجملةُ بأسرها مستثنًى، والمعنى: أن الاطِّلاعَ بهذه الصفة يَخْتَصُّ بالأنبياء عليهم السَّلام. والمرادُ منها القطع، فالاطِّلاعُ على سبيل القطع من خواص الأنبياء عليهم السَّلام، فبقي الكشفُ مسكوتًا عنه. ومعلومٌ أن ما يتلقَّوْن من أوليائه تعالى من الإِلهام والكشف، فهو على سبيل الظنِّ دون القطع. وما يَدُلُّكَ على أن الاستثناءَ منقطعٌ، قوله تعالى في موضعٍ آخر:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ}[آل عمران: ١٧٩]