يعني إذا بَنَى أحد مسجدًا في طريق ومَمَرِّ النَّاس ولم يكُن منهُ ضررًا لأحد جاز، وضَيَّقَ فيه فقهاؤنا إلا عند إذن الوالي أو القاضي كما في إحياء الموات. قلتُ: والأقربُ عندي أنْ يقسم على الحالات، فإنْ ظَهَرَت فيهِ مماكسةِ مِنَ النَّاسِ يَنْبَغِي أنْ يتوقف على الإذن وإلا لا، وهذا أيضًا مِنَ الأشياء التي لا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا في الفِقْهِ، وقد نَبَّهتكَ على أنَّ مَنَ لا يَدْخُل تحت مسائِلِهم ويصح، ويجري على طريق المروة.
فالحاصل: أَنَّ المسائلَ قد تَخْتَلِف باعتبارِ عادات البلدان أيضًا أيضًا فلينظره أيضًا.
حكاية: كَتَبَ الشاه ولي الله رحمه الله تعالى في ترجمة ميرزا الهروي وكان والده تلميذًا للهروي، فَذَكَر أنَّ الهروي كان قاضيًا في بلدة آكره فصنع للشاه عبد الرحيم رحمه الله تعالى طعامًا، وكان شهر رمضان فَحَضر وقت الإفطَار، فَسَمِعَ صوت رجلٍ يبيع الكَبَاب فدعاه واشْتَرَى منهكَبَابَا، فقال له الشاه عبد الرحيم رحمه الله تعالى: إنَّهُ بَاعَ منك بأنقص من ثمنه المعروفِ، فلمَّا نظر فيه الهروي عَلِمَ أنَّه كذلك، فلمَّا سأله قال له: إنَّما فعلته رجاء أنْ تُرَاعِي في حُكْمِك، فإنَّ قطعة من دُكَّاني كانت نحو الطريقِ، فأَمَرْتَ بهدمها، فراعيت معك في الثمن لعلك تراعي في حُكْمِكَ أيضًا، فقال لَهُ الهروي: ويلك لقد أفْسَدت علينا صومنا من رشوتك هذه.
قلت: فهذه ديانة أهل المَعْقُول في الزمان الماضي ولن تَرَ مثلها اليوم ممن كان مُحدِّثًا أو فقيهًا فيا أسفًا كيف انقلب الزمان ظهرًا لبطنَ والله تعالى هو المستعان.