بَيَّنَه الطحاوي (١) مفصَّلًا، وبَعْدَه لا يبقى فيه ما يُخَالفنا بشيء. فساق أولًا حديث عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا رَجَعَ من المسجد صلى ما شاء الله ثم مال إلى فراشه وإلى أهله، فإن كانت له حاجة قضاها، ثم ينام كهيئته ولا يَمَسّ الماء»، ثم قال الطحاوي: إنه حديث مختصر اختصره أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه.
والحديث الطويل ما رواه فهد: حدثنا أبو غسان حدثنا أبو إسحاق قال: أتيت الأسود بن يزيد، وكان لي أخًا وصديقًا، فقلت: يا أبا عمرو حَدِّثْني ما حدَّثَتْكَ عائشة رضي الله تعالى عنها أمُّ المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلّم «ينامُ أوَّلَ الليل ويُحيى آخره، ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يَمَسَّ ماء، فإذا كان عند النداء الأول وَثَبَ»، وما قالت: نام فأفاض عليه الماء، وما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد، «وإن كان جُنُبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة»، فصرح في هذا الحديث الطويل أنه إن أرادّ أن ينام وهو جُنُب توضأ وضوءه للصَّلاة، وأما قولها:«ولم يمسَّ ماء». فالمراد منه الماء الذي للغُسل، لا على الوضوء، لِمَا رواه غير إسحاق عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أراد أن ينام أو يأكل وهو جُنُب يتوضأ»، وهكذا روي عن الأسود من رأيه وهكذا رواه مسلم إلا أن في آخره جملة تناقضه وهي:«وإن لم يكن جُنُبًا توضأ وضوءه للصلاة»، ولم يتعرض إليه أحد.
ويمكن أن يوفَّق بينهما أنّ ما في الطحاوي فهو حالُهُ في أول الليل، وما عند مسلم، فهو حالُه في آخر الليل، أي: إن كان جُنُبًا في آخر الليل اغتسل، وإن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة، وأشار محمد رحمه الله تعالى إلى ما ذكره الطحاوي. نعم كَشَفَه الطحاوي، ثم إني تتبعتُ إلى زمان لأَعْلَم أن مأخذ كلام الطحاوي ما هو؟ فبان لي بعد الفحص البالغ أن أصله يكون من محمد رحمه الله تعالى، ثم الطحاوي يُفَصِّله. قال محمد رحمه الله تعالى في «مُوَطَّئه»: هذا الحديث أوفقُ بالناس.
(١) قال القاضي أبو بكر بن العربي: تفسيرُ غَلَطِ أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق ههنا مختصرًا اقتطعه من حديث طويل، فأخطأ في اختصاره إياه، ثم ساق القاضي الحديث بطوله، كما أخرجنا عن الطحاوي، ثم قال: فهذا الحديث الطويل فيه: "وإن نام وهو جُنُبٌ توضأ وضوءه للصلاة"، فهذا يدلُّك على أن قوله: "فإِن كانت له حاجةٌ قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمسَّ ماءً أنه يَحْتَمِلُ أحدَ وجهين: إما أن يريد بالحاجة حاجة الإِنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي، ولا يمس ماء وينام، فإن وَطِىء توضأ كما في آخر الحديث، وَيحْتَمِل أن يُريد بالحاجة حاجةَ الوطء، وبقوله: "ثم ينام ولا يمس ماء" يعني: الاغتسال، ومتى لم يُحْمَل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوَّله وآخره، فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء، فنقل الحديث على معنى ما فهم. والله تعالى أعلم.