ومحصل جوابه على ما فهمته أن الرجل ظن أنه لما يذري نصفه في الهوا، ونصفه في قاموس الماء، فالله تعالى. وإن كان قادرًا بجمعه، ولكنه يحتاج إلى اهتمام بشأنه، فلعله لا يهتم له بذلك، فالتردد في إجراء قدرته لأجله، لا في نفس القدرة، وكثيرًا من الأشياء تكون تحت قدرتك، ثم لا تفعله لمصالح تسنح لك، أو لعدم المبالاة بها، كذلك يمكن أن لا يبالي الله له مبالاة، فلا يجمعه من الهواء والماء، فيبقى كذلك منتشر الأجزاء غير محاسب، ولا مناقش، فهذا نحو حيلة يحتال بها الإنسان، عند الإياس، وشدة الخوف، على نحو قولهم، الغريق يتشبث بكل حشيش. فافهم، وتشكر، فإن الناس قد تحيروا فى جوابه، ولم يأتوا بما يعلق بالقلب، وبعبارة أخرى: ليس المراد من القدرة ما هي عند المتكلمين، بل المراد منها ما عند أهل العرف، فيقولون: هل تقدر على ذلك؟ أي تريد أن تفعله، فإرادة الفعل هي التي يعنون بالقدرة عليه في مجاري محاوراتهم، وإذن معناه لئن أراد أن يحشرني، وأنا جميع، والله تعالى أعلم. ثم رأيت الطحاوي مر عليه في "مشكله" ص ٢٣٣ - ج ١، وقرر معنى قوله: لا يقدر الله عليّ رب العالمين، أي لا يضيق الله علي أبدًا، فيعذبني بتضييقه علي، لما قدمت في الدنيا من عذابي نفسي، الذي أوصيتكم به، واستشهد عليه بما في قصة يونس، {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} وقوله تعالى: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} ثم أخرجه من طريق معاوية ابن حيدة، وفيه: لعلي أضل الله، ونقل تأويله عن بعض العلماء أنه قال ذلك جهلًا منه بلطيف قدرة الله تعالى، مع إيمانه به جل وعز بخشية عقوبته، فجعلوه بخشية عقوبته مؤمنًا، وبطمعه أن لا يظلمه جاهلًا، فكان الغفران من الله تعالى له بإيمانه، ولم يؤاخذه لجهله الذي لم يخرجه من الإيمان به، إلى الكفر بالله تعالى، أما الطحاوي فجعل لفظه الوارد فيه هو الأول، وحكم على اللفظ الذي عند معاوية بن حيدة بالتفرد، والله تعالى أعلم، ثم في أمره بالذرى، ومغفرته تعالى عليه إشارة إلى أن نفخ الصور أثره في الإذراء، دون الإعدام، والأمر بعد في علم الغيب لا يعلمه إلا هو.