الحيوان، وكونه سليمًا وهذا كلَّه في الْخِلْقة ولم يذكر القَدَر فاعلمه.
ومنهم مَنْ قال: إن الفطرةَ هي قولهم: قالوا: بلى. قلتُ: إنْ أرادوا به القَصْر عليه فليس بجيدٍ، وإن أرادوا أنه أيضًا من جزئياتٍ الفطرةِ فصحيحٌ. فإنَّ الإسنانَ مفطورٌ على الإقرار بالربوبية، وفيه أقوالٌ أُخَرُ ذكرها الشارحون فراجعها. وسيجيء البحثُ على نجاتهم وعدمِها فيما يأتي والله تعالى أعلم.
١٣٦٠ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لأَبِى طَالِبٍ «يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ} الآيَةَ. أطرافه ٣٨٨٤، ٤٦٧٥، ٤٧٧٢، ٦٦٨١ - تحفة ١١٢٨١
ويعتبر فيه إذا قالها قبل النَّزْع، فإن دَخل في الغرغرة فهو إيمانٌ اليأس، وهو غير معتبر عند الجمهور. ونُسِب إلى الشيخ الأكبر رحمه الله تعالى أنَّه اعتبر إيمانَ فِرَعون. قال الشَّعْرَاني: وهذا مدسوسٌ والشيخُ رحمه الله تعالى بريءٌ منه.
قلتُ: بل هو مختارُ الشيخِ رحمه اللَّهُ تعالى وليس بمدسوسٍ، وقد نَقَل بحرُ العلوم في «شرح المثنوي» عباراتٍ عديدةً للشيخ رحمه الله تعالى تدلُّ على هذا المعنى. ومرادُ الشيخ رحمه الله تعالى عندي أن قوله بتلك الكلمةِ اعتبر من حيثُ كونُهُ إيمانًا، لا من حيث كونُ توبةً.
وليُعلم أنَّ في قِصَّة فرعونَ إشْكَالا وهو: أنَّ في الحديث: أن فرعونَ لما أرادَ أنْ يقول: لا إله إلا الله، دسَّ جبرائيلُ عليه السلام في فِيه الطِّيْنَ كي لا تدرِكَه الرحمةُ. وهو في الظاهر رضاءٌ بالكُفْر نعوذُ باللَّهِ من ذلك. وأجاب عنه الشيخ الآلوسي رحمه الله تعالى في «تفسيره» وحاصله: أنَّه يجوزُ التمني بموتِ كافرٍ شديدٍ في الكُفْر إذا كان المسلمون يتأذون منه. ونقله عن «مبسوط» خَواهِرَ زَادَه روايةً عن أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى.
قلتُ: بل المسألةُ موجودةٌ في نَفْس القرآنِ. قال تعالى حكايةً عن موسى عليه الصلاة والسلام:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}[يونس: ٨٨]. ثُمَّ إنَّ ظاهرَ القرآن أنَّه تكَلَّم بتلك الكلمةِ وإنَّما لم تُعتبر منه لكونِهِ إيمانَ اليائس، وإنَّما خشي