(١) قلت: وقد يشكل أن تمني الشهادة مطلوب، وذلك لا يحصل إلا بلقاء العدو، فكيف يكره تمني أسباب الشيء، مع أنه لا يحصل إلا من تلقاء أسبابه؟ قلت: والوجه فيه أن لقاء العدو، وإن كان وسيلة للشهادة بحسب الأكثر، إلا أنه ليس مطلوبًا في نفسه، أعني به أنه ليس مطلوبًا من كل وجه، فإن الإنسان قد يفر من الزحف فيتضرر به أكثر منه، وكذلك الطاعون شهادة، ولكن الإنسان قد لا يصبر عليه، ويأتي بما يعود وبالا عليه، فالشرع نهى عن التعرض بالبلايا، ومن ابتلى بها علمه الصبر، فمن صبر نال الكرامة، فالشهادة أمر مطلوب من كل وجه، وبأي طريق كانت، والموت من أسبابها لا يليق به التمني، فالأسباب كالمعاني الحرفية، ليست مطلوبة إلا من جهة مسبباتها، والدعاء إنما يليق للمقاصد والمطالب، ثم يجمع الله تعالى أسبابه إن شاء، وهو المسمى بالتوفيق، فافهم، وتشكر، فإني رأيت كثيرًا من الطلبة لا يدركون مراده؛ وتحصل مما قلنا: إن وسائل المقاصد لا تكون مطلوبة دائمًا، والله تعالى قادر على أن يجمع له تلك المقاصد من غير تلك الأسباب أيضًا، فحينئذ لا ينبغي له أن يعرض نفسه للبلايا، وليسأل الله العافية.