ثم إن حديث معاوية هذا لما نُقل عند ابن عباس، قال: لا أراه إلا حجةً عليه، فإِنه إذا رَوى أنه قصَّر النبي صلى الله عليه وسلّم على المروة ثَبَتَ أنَّه كان متمتعًا، فَلَم ينه عن التمتع.
ثم هناك قطعة أخرى عند مسلم، أشكل شرحها على الشارحين، وهي أنَّ سعدَ بن وقاص كان يرى التمتعَ جائزًا، فقيل له: إن معاوية ينهى عنه، فقال سعد:«قد فعلناه مع النبي صلى الله عليه وسلّم وكان هذا الرجل - معاوية - كافرًا يومئذ في عريش مكة. ولا يصحُّ أنْ تكون هذه إشارة إل قِصة حجة الوداع، فإنَّه أسلم قبل ذلك بسنتين. وكذا ليست قبلها واقعةٌ يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّم تمتع فيها، فأي قِصة هي؟.
قلتُ: المراد منه قِصة الحُدَيْبِيَة، وإنما عبَّر عنها بالتمتعِ بجامع الحِل قبل الأوان بينهما، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم حل في الحديبية قبل أوانه، وكذا المتمتع يحل قبل أوان الحج، ولذا كان الناسُ يتأخرون عن الحِل حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلّم به. فحاصل مقالةِ سعدٍ أنَّ معاوية إنما ينهى عن التمتع، لأنه يوجِبُ الحِلَّ قبل أوانه، مع أنا قد حللنا في الحُدَيْبِيَة مع الني صلى الله عليه وسلّم قبل أوانه.
والجوابُ عندي عن أصلِ الإِشكال أنَّه يمكنُ أنْ تكونَ هذه قِصة قبل الهجرة. وفي السير أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم كان يحج قبل الهجرة، ثم تتبَّعْتُ عُمْرَ معاوية يومئذ، فظهر أنه كان ابن ستة عشر، أو اثنين وعشرين، وهذا صالح للقصر، وحينئذ لا حاجة إلى إعلال رواية النسائي، نعم يرد عليه، أنه لا يتم حينئذٍ ردّ ابن عباس عليه، فإنه لما جعل قصرَه على المروة حجةً عليه في منعِهِ عن التمتع، عُلِمَ أنه حَمَلَه على القصر في عمرة. هذا ما قصدنا إلقاءَه عليك بالاقتصار. والكلام فيه أطول من هذا، ذكره الحافظ في «الفتح»، فراجعه إن شئت.
١٢٩ - باب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ