١٧٣٠ - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ - رضى الله عنهم - قَالَ قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمِشْقَصٍ. تحفة ١١٤٢٣ - ٢١٤/ ٢
والربُع عندنا يحكي عن الكل، فيكفي له حلقُ الربع. وقاسه صاحب «الهداية» على مسح الرأس، فاعترض عليه الشيخ ابن الهُمَام، وتفرد في هذه المسألة، فراجعه من كتابه «فتح القدير». والجواب أنه ليس من باب القياس، بل من باب آخر، وهو أنَّ الأمر بإِيقاعِ فعلٍ على محل، هل يوجبُ استيعابَ ذلك المحل أو بعضَه؟ فذهب نظرُ إمامنا إلى أن الربُع يحكي عن الكل، فيحُلُّ محله، خلافًا لمالك، والشافعي. ولو تنبه الشيخ على هذا الباب لما تفرد فيه.
١٧٢٧ - قوله:(اللهم ارحم المحلقين) ... إلخ، وإنما خص المحلقين بمزيدِ الدعاءِ لأنهم بَادَروا بالامتثال. وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لما سُئل عن دُعائه للمحلقين، قال:«لأنهم لم يشكوا».
فائدة: واعلم أن ما في كتب السير أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يحلق رأسه إلا مرتين، فلا أصل له. وإنما ظن هذا القائل أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم اعتمر عمرتين، وحج حجة، فجعل القصرَ في واحد منها، فبقي الحلقُ في الاثنين، ثم ظن أنه كان من سيرتهِ العامة الشعر، فلم يثبت عنده الحلق إلا مرتين. ولا دليل عليه. وكذلك ما اشتُهر من أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يثبت عنه أكلُ لحم البقر، ففاسد أيضًا، فإنَّه ثبت عنه أكله في قِصة بَرِيْرة، وكذلك في قصة أخرى.
١٧٣٠ - قوله:(عن معاوية، قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمشقص)، واستشكله الشارحون، لأنه لا يصح في الحُدَيْبِيَة أصلا، ولا في عمرة القضاء، فإنَّ معاوية لم يُسلم يومئذٍ، ولا في عُمرة الجِعْرانة لكونه في الليل، ولا في حَجَّة الوداع للتصريح بالحلق فيه. وادَّعى ابن حزم أنه كان في حجة الوداع، لاحتمال أنْ يكون بقي من الحلق بعضه، فقصَّرَه بعده، وهو كما ترى.
ثم في بعض الروايات: أنه قَصَّر على المروة، وتمسك به بعضهم على كونه متمتعًا بغير سوق الهَدْي، مع تضافر الروايات بخلافه. ثم قيل: يمكن أنْ يكونَ في عمرة القضاء، ولا نسلِّمُ أنه لم يكن أسلم يومئذٍ، بل يمكن أن يكون أسلم، ولم يكن أظهَرَ إسلامه، ولو سلَّمنَا، فلا بِدْعَ في خدمة الكافر للمسلم. ويردُّ كله ما عند النسائي:«قصرت رأسه في عشرة ذي الحجة»، فإنَّ عُمَرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كلها لم تكن في هذا التاريخ. وعلل ابن كثير رواية النسائي. بقيت الروايات التي فيها ذكر العشرة فقط، فلا حاجة إلى إعلاله، لأن العشرةَ تحتملُ أنْ تكونَ من ذي القَعْدة أو شوال، فإنَّهما أيضًا من أشهر الحج.